تيار المداخلة: وَفقا لبعض الباحثين فإن الظهور العلني لتيار المداخلة كان في السعودية إبان حرب الخليج الثانية 1991 والتي كانت نتيجة لغزو العراق تحت حكم صدام للكويت.
والفرقة الجامية أو المدخلية ظهرت حوالي سنة 1411هـ – 1990م في المدينة المنورة على يد الشيخ محمد أمان الجامي الحبشي، والشيخ ربيع المدخلي، فالأول مختص في العقيدة، والثاني مختص في الحديث، وقد أثنى عليهما بعض العلماء قبل أن يُروجوا لفكرهم القائم على عدة مبادئ خاطئة، منها: الطاعة المطلقة للحُكّام وإن نبذوا الشريعة وراء ظهورهم، ومنها مبدأ التجريح للعلماء والدعاة المخالفين لهم في الرأي والاجتهاد، وأطلقوا على تلك المسائل الاجتهادية بالمنهجية لغرض الترهيب والتنفير والتخويف! وهذا الذي أورث جفوة بينهم وبين أقرانهم من أهل العلم والدعاة.

الظهور العلني للمداخلة:


وكان الظهور العلني لهم على مسرح الأحداث، إبان حرب الخليج، حيث برزوا -وفقا لبعض الباحثين- كفكر مضاد للمشايخ الذين استنكروا دخول القوات الأجنبية لأرض الحرمين، كالشيخ الألباني وغيره من العلماء الذين لم يتأثّروا بسياسة الحاكم ولم يأكلوا من مرقته!، في المقابل آخرون رأوا في دخول القوات الأجنبية مصلحة، إلا أنهم لم يُجرِّموا من حرَّم دخولها، أو أنكر ذلك، فجاء المداخلة أو الجامية واعتزلوا كِلا الطرفين، وأنشأوا فكرا خليطا، يقوم على القول بمشروعيّة دخول القوات الأجنبية، وفي المقابل يقف موقف المعادي لمن يحرّم دخولها، أو أنكر على الدولة ذلك.
وقد أشارت ورقات بحثية إلى أن هذا الفكر المدخلي دخيل على أمة محمد صلى الله عليه وسلم ولم يَعرف تاريخ المسلمين له نظيرا، حيث إن المنتمين لهذا المذهب المُحْدَث يقومون بالبحث في أشرطة العلماء والدعاة وكتبهم، ويتصيَّدون المتشابه من كلامهم وما يحتمل الوجه والوجهين، ثم يجمعون ذلك في نسق واحد، ويُشهِّرون بالشخصية المستهدَفة ويفضحونها، محاولين بذلك إسقاطها وهدرها. ومن خلال الدعم المقدَّم لهم إقليميا ودوليا؛ فقد استطاعوا في بداية نشوء مذهبهم جذبَ كثير من الشباب وشغلهم بالقيل والقال، والتهام لحوم العلماء والدعاة، كما تمكنوا أيضا من تحقيق الأهداف المسطَّرة لهم استراتيجيا.

علاقتهم بالاستخبارات:


وجدير بنا ها هنا التذكير أن وثائق مراكز الدراسات الغربية شددت على تعاون أجهزة الاستخبارات مع حاملي الفكر المدخلي، ودعمهم وفتح الباب أمامهم، لأنهم يقومون بنفس الدور الذي كانت تقوم به بعض الفِرَق الضالة الموالية للاحتلال، ويقفون حجر عثرة أمام الحركات الإسلامية برُمتها، ويستصنمون -إن صح التعبير- منهجهم إلى درجة التقديس، ويقلدون بعض رموزهم تقليدا أعمى؛ ولا مكانة لديهم لباقي العلماء لأنهم بالنسبة لهم ضالون مبتدعون مارقون.. وبعد أن عاثت هذه الفرقة في الأمة فسادا؛ وتمكنت من التفريق بين صفوف أبنائها، ولم تترك عالما ولا شيخا ولا داعية له أثر ودعوة، إلا صنفته وشهَّرت به؛ لم تسلم هي الأخرى من تجرُّع السُّم الذي نفثتْه في جسد الأمة؛ فهي تعرف انقسامات كبيرة وخلافات حادة بين مُنظِّريها ورؤوسها، وبين حين وآخر ينشقُّ فصيل ويعلن الحرب على بقية الطائفة، ويقوم بعد ذلك تباعا بتبديعها وتضليلها وَفق الأصول والقواعد المنهجية التي نشأوا وتربَّوا عليها. وما ظهور فرقة الصعافقة مؤخراً إلا دليلٌ على استمرار انقسامهم وتفرقهم باسم الجرح والتعديل والسلفية زعموا، وقد كشف بعض الباحثين أن من جالس أصحاب هذا الفكر سيدرك حتما درجة الغلو التي بلغوها وخطرهم على المجتمع برمته، وأن السلطات المتمثلة في الدولة تلعب بالنار حين تسمح لأصحاب هذا الفكر ببناء أعشاش لهم بين أبناء المجتمع، وما بناء المدارس المُسمَّاة بالمدارس السلفية إلا أكبر دليل على ما قيل فيهم، وهم وإن كانوا يعلنون الطاعة العمياء لولاة الأمور والحُكَّام ويوالونهم موالاة تامة على مذهب المرجئة، فإنهم على الطرف الآخر يشكلون خطرا كبيرا على مكونات المجتمع الأخرى ووَحْدته العقدية والمذهبية. ولأنهم يرون المذاهب الفقهية أعداء لهم! لقصور فهمهم واستيعابهم للفقه، تسبب ذلك في انشقاقهم عن المذاهب الفقهية والتي تُعتَبرُ ميراث الأمة، إضافة إلى ذلك فإن الغلو في موالاتهم للحكام بالطريقة التي يقدمونها لا يجب الاطمئنان إليها بتاتا، فالغلو في أي شيء عاقبته وخيمة، ويكفي لبيان ذلك أن الخوارج الذين قاتلوا عليا رضي الله عنه يوم النهروان، ابتدأوا ببدع صغيرة منحصرة في الغلو في جانب (الذكر) لينتهوا بالغلو في (سفك الدماء)،_ وهذا ما نراه واقعاً في صفوف حفتر اليوم في ليبيا_، أما هؤلاء فقد ابتدأوا بالغلو في أعراض العلماء والدعاة والعاملين لخدمة الإسلام؛ والله وحده يعلم بما سينتهي هذا الفكر الذي يمـَكَّن له في زمن التضييق الكبير على المشايخ المؤصَّلين على المذهب المعتبر كالمذهب المالكي وغيره من المذاهب المعتدلة عامة. فلا تخطئ عين المتابع توظيفَ المداخلة المنحرفَ للنصوص الشرعية، وإخراجَهم للقواعد العلمية عن إطارها، ولآثار العلماء عن سياقها، واستعمالهم المفرط للغة التعالي والكبر ضد من يعتبرونهم مخالفين خارجين عن المنهج، وعدم ورَعِهم في إطلاق عبارات السب والشتم، والتحذير والتحريض، والرمي بالبدعة والضلال والمروق؛ والاحتقار والرغبة الكبيرة في سحق الآخرين.
وهذه سمة عامة للمداخلة نسأل الله لهم الهداية.

 

العجيلي العجيلي

 

مشاركة