متصدِّرو المشهد بهيئة الأوقاف اليوم


إن المتصدِّرين للمشهد بهيئة الأوقاف رئيسها وحاشيته قد تجاوزا حدود اختصاصهم، وتجرَّؤوا على اختصاصات غيرهم كالتصَدُّر للإفتاء والكلام في الحلال والحرام ونوازل البلد والأمة، وهذا في الحقيقة مخالف للقانون والشرع الحنيف، فإنَّ التجرؤ على الفتيا لون من ألوان القول على الله تعالى بغير علم، وهو آفة من آفات بعض المنتسبين إلى التدين الذين يتعجلون قطف الثمر قبل نضوجه، وحصد الزرع قبل أوانه، ولقد حذرنا الله تعالى من إضلال الناس بغير علم، والخوض في قضايا الحلال والحرام بغير تمحيص وفقه، قال تعالى: {وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ . مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النحل:116-117]، وقال: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ. وَمَا ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ}.

حدثاء الأسنان سفهاء الأحلام:

أمثال هؤلاء شباب صغير في العلم والسن لم يحصل أحدهم من العلم إلا أقله، ولم يجلس إلى الشيوخ، ورأس مال أحدهم استيراد الفتاوى في نوازل بلده من آلاف الكيلو مترات من خارج بلده والمصيبة أنه يُمثِّلُ بلده في منصب الأوقاف وأن ينزل هذا النزول للأسف لكنه يتجرأ على الفتيا والطعن في فقهاء بلده المعروفين بالفقه المالكي والاعتدال والوسطية في فهم الإسلام دونما تحقق ولا تثبت، فعن عبد الله بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: «يخرج في آخر الزمان، قوم أحداث الأسنان، سفهاء الأحلام، يقولون من خير قول الناس، يقرؤون القرآن، لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية، فمن لقيهم فليقتلهم، فإن قتلهم أجر عند الله لمن قتلهم» (أخرجه أحمد:1/40)، أيُعْقَلُ أن مسؤولاً في دولة ما برتبة وزير يتقلَّدُ منصباً في بلده أن يسافر ويشد الرحال آلاف الكيلو مترات لبلد هي عدوٌ لبلده في محنتها وبعد أكثر من خمس سنين من إذكائهم للحرب في ليبيا باسم الدِّين والسلفية! أن يسأل أحد رموز التيار الداعم للمجرم حفتر عن حكم دفع العدوان على طرابلس؟!!

استهانة بدماء الشهداء والجرحى:

هذا الصنيع من مسؤول الأوقاف لم يحدث في أي دولة من الدول قطٌ، وحيث أن هذا الصنيع الذي قام به مسؤول الأوقاف يُعَدُ خيانة لبلده ووطنه وأمانته ولدماء المدافعين اليوم عن العاصمة واستهانةً بدماء الشهداء والجرحى وأمهاتهم وذويهم!!! أنسي هذا المسؤول أنَّ القانون في بلده يمنع فعلته التي فعلها وجاء ليعترف بها ويفتخر بها في صفحاته ويُعلنها مدويةً؟!! ألا يعلم هذا المسؤول أنَّ هناك مادةً في القانون الليبي رقم(178) من قانون العقوبات تنص على الآتي:


يُعَاقب بالسجن المؤبد كل ليبيٍ قام في الخارج بنشر أو تبليغ أخبار أو إشاعات كاذبة أو مُبَالغ فيها، أو مثيرة للقلق، حول الحالة الداخلية في ليبيا، بشكل يُسيء إلى سُمعة الدولة، أو يُزعزع الثقة بها في الخارج، أو قام على أي وجه من الوجوه، بنشاط من شأنه إلحاق الضرر بالمصالح الوطنية.

فهذا المسؤول قد عرَّضَ نفسه للمساءلة القانونية التي بإمكان أي مواطن ليبي رفع قضية ضده على ما قام به مؤخراً واعترف بفعله أمام كل الليبيين !!

هل عقمت بلادنا الليبية في وجود فقهاء وعلماء يعيشون الواقع ويعلمون دقائق أحداثه حتى يتجاهلهم مسؤول الأوقاف ويسافر لدولة أخرى ليستجلب الفتوى حول الأحداث الجارية في بلاده من مُثِيرها في الأصل؟

تصدَّر للتدريس كل مهوس *** جهولٌ يسمَّى بالفقيه المدرِّسِ
فحقَّ لأهْلِ العلمِ أن يتمثَّلوا *** ببيتٍ قديمٍ شاعَ في كلِّ مجْلسِ
لقد هَزلَت حتى بدا من هُزَالِها *** كُلاها وحتَّى سامها كلُّ مفْلِسِ

هل أحد في الأرض أعلم منك؟

قال بعض الظرفاء في الواحد من هذه الطائفة: “إنه قليل المعرفة والخبرة يمشي ومعه أوراق ومحبرة؛ معه أجزاء يدور بها على شيخ وعجوز، لا يعرف ما يجوز مما لا يجوز”، وما أجمل قول الخطيب البغدادي في كتابه (الفقيه والمتفقه:2/350): “وقل من حرص على الفتوى، وسابق إليها، وثابر عليها إلا قل توفيقه، واضطرب في أمره، وإذا كان كارهاً لذلك غير مختار له، ما وجد مندوحة عنه، وقدر أن يحيل بالأمر فيه على غيره، كانت المعونة له من الله أكثر، والصلاح في فتواه وجوابه أغلب”، قال ابن جماعة الكناني في (تذكرة السامع والمتكلم:23): “واعلم أن قول المسؤول لا أدري لا يضع من قدره كما يظنه بعض الجهلة، بل يرفعه لأنه دليل عظيم على عظم محله وقوة دينه، وتقوى ربه وطهارة قلبه، وكمال معرفته وحسن تثبته، وقد روينا معنى ذلك عن جماعة من السلف وإنما يأنف من قول لا أدري من ضعفت ديانته وقلت معرفته؛ لأنه يخاف من سقوطه من أعين الحاضرين، وهذه جهالة ورقة دين، وربما يشهر خطؤه بين الناس فيقع فيما فر منه، ويتصف عندهم بما احترز عنه، وقد أدب الله تعالى العلماء بقصة موسى مع الخضر عليهما السلام، حين لم يرد موسى عليه الصلاة والسلام العلم إلى الله تعالى لما سئل: هل أحد في الأرض أعلم منك؟

يقولون هذا عندنا غير جائز *** ومن أنتمُ حتى يكون لكم عند


نسأل الله الهداية لمسؤول الأوقاف وحاشيته وعُصبته.

العجيلي العجيلي