القضاء شرعاً: فصل الخصومات وقطع المنازعات. هو فصلُ الخصومة بين خصمين فأكثر بحكم الله تعالى، والمقصود من القضاء، وصول الحقوق إلى أهلها، وقطع المخاصمة، فوصول الحقوق هو المصلحة، وقطع المخاصمة إزالة المفسدة، فالمقصود هو جلب تلك المصلحة، وإزالة هذه المفسدة، ووصول الحقوق هو من العدل الذي تقوم به السماء والأرض، وقطع الخصومة هو من باب دفع الظلم والضرر، فوجود القضاء النزيه في كل زمان ومكان لهو من الأهمية بمكان، وقد أمر الشارع الحكيم إذا سافر ثلاثة نفر أن يأمروا أحدهم؛ منعاً للخلاف الذي يؤدي إلى التلاف، حتى لا يستبد كل إنسان برأيه فيهلك الجميع، لذلك شرع الشارع الحكيم القضاء ووجود القضاة بين الناس، وإذا كان ذلك بين العدد القليل في السفر، فوجود القضاة في الحضر مع تزايد أعداد السكان لهو أحرى وأوجب؛ لأن الناس يحتاجون لدفع التظالم، وفصل التخاصم، فلهذا يجب تنصيب الولاة والحكام والقضاة للسيطرة على أمور الناس، ومنع الظلم، وإعطاء كل ذي حق حقه، إذ لا يمكن أن تقام الحدود، وتُدرأ الشبهات، ولا يتم الحق والعدل، إلا في ضوء وجود القضاة، الذين علموا كتاب الله تعالى، وحفظوا سُنَّة نبيه صلى الله عليه وسلم، وتعلَّموا العلم الشرعي المبني على الكتاب والسُّنَّة على ما فهمه الفقهاء والأئمة العلماء.

خطورة الإجحاف في القضاء:
القضاء من أشد الوظائف خطورة، فالقاضي يفتي الناس ويحكم بينهم بالعدل والسوية، دون محاباة لأحد على آخَر، فالكل لديه سواسية، لا فرق بين كبير ولا صغير، ولا ذكر ولا أنثى، ولا وضيع ولا رفيع، فالكل مسلمون، وفي شريعة الرحمن إخواناً تجمعهم روابط الأخوة والدين الواحد .
وهذه باقة يانعة من كتاب الله جلَّ وعلا، تُبيِّن خطورة الإجحاف في القضاء، بل تُبيِّن خطورة القضاء بين الناس :
قال تعالى : ” وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط إن الله يحب المقسطين ” [ المائدة 42 ] .
وقال تعالى : ” ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ” [ المائدة 44 ] .
وقال تعالى : ” ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون ” [ المائدة 45 ] .
وقال تعالى : ” ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون ” [ المائدة 46 ] ، فالقضاء مهمة شاقة، وأمانة ومسؤولية عظيمة، أُنيطت بمن حملها، وتَجشَّم الأخطار للحصول عليها ـ أقصد في واقعنا اليوم ـ فمن حملها فكأنما حمل جبال الأرض على ظهره، فإما أن يقوم بحقها ويكون الله معه، ويُعان على ذلك، وإما أن يخون الأمانة ويركن للدنيا فتقصم ظهره .
قال صلى الله عليه وسلم : ” يؤتى بالقاضي العدل يوم القيامة، فيَلقى من شدة الحساب ما يتمنى أن لم يقض بين اثنين في تمرة قط ” .

القاضي والعلم الشرعي:
وأعجب كل العجب عندما يتولى أحدهم القضاء، وليس لديه من العلم الشرعي إلا بصيص أمل، وهذا واقع ملموس، حتى إن بعض القضاة ربما يُسأل في مسألة بسيطة يجب أن يُلم بها لنفسه أولاً، ولمكانته ثانياً، ومع ذلك يحار في الجواب، ويتعدى الصواب.
وقُضاة اليوم -إلاَّ من رحم الله- قد أساءوا للقضاء، وتمردوا على الله تعالى، بأحكامهم الجائرة، وميلهم عن الحق لأغراضٍ سياسية أومادية، أو جهوية أو غير ذلكم، وكثيرٌ منهم أصبح هَمُّهم جمع أكبر قدر من المال، والتوسع في البنيان، والتوطن في البلدان، والتفاخر في المراكب، سبحان الله أي قُضاة أولئك؟
فيا ويل قاضي الأرض الظالم في حكمه من قاضي السماء!.

العجيلي العجيلي