ترمي الإبرة في الفصل تسمعها، يفترض أن ذلك دلالة على المعلم الجيد المسيطر على الفصل.

إذا مر المدير، صمت الموظفون وكأن على رؤوسهم التماسيح.

وإذا مر مدير آخر وقف الموظفون وقفة، يفترض أنها وقفة احترام.

وإذا زار الوزير مكاتب الوزارة فجأة، صمت الموظفون وتظاهروا بأنهم منغمسون في أداء مهامهم، وما أن يمر مدير المدرسة على الفصول حتى تنقلب حالة المعلمات من الأريحية إلى حالة مزرية من التوتر.

صوت المدير أو المسؤول أو المعلم أو ناظر المدرسة أو الوزير، كاف لأن يبعث أجواء من التوتر والترقب والقلق. فــ “المدير الفلاني معنداش الريح وين اتدور”، و”كلمة وقص”. السيد المدير صعب المراس وصارم، لا يقبل الشكاوى والتعديلات والملاحظات والاقتراحات، فهو رجل حازم.

كل ما سبق يفترض أنه دلالة على الإدارة الجيدة، ودلالة على نجاح المدير أو المسؤول أو الوزير، ودلالة على دفع الموظفين والمرؤوسين وكوادر المؤسسات على أداء مهام وظائفهم على أكمل وجه، وتلك ثقافة خاطئة تأصلت فينا. ثقافة مفادها أن الحزم والصرامة و”الوعارة” و”التفنيص”، هي من صفات المدير أو المسوؤل أو الوزير أو المعلم الناجح.

وذلك بخلاف سنته صلى الله عليه وسلم. عن أنس -رضي الله عنه- قال: خدمت النبي -صلى الله عليه وسلم- عشر سنين، فما قال لي: أف قط، ولا: لم صنعت؟ ولا: ألا صنعت؟ رواه البخاري. تلك إدارة تعتبر قمة، لا صراخ ولا نهر ولا تأنيب ولا توبيخ، علاقة مودة ومحبة واحترام، وفي نفس الوقت، عمل وإنتاج وإتقان وتفان وإخلاص، من قبل العمال والكوادر والموظفين، هذه هي الإدارة الناجحة.

المدير الناجح هو من يدفع موظفيه ومرؤوسيه إلى بذل أقصى الجهد والطاقة والوقت في إتقان العمل وأدائه على أكمل وجه، بل وتطويره أيضا والرقي به، ويحافظ في نفس الوقت على علاقة طيبة، وعلاقة أخوية، وعلاقة أبوية مع كوادر مؤسسته، مدرسة كانت، تلك المؤسسة، أو شركة أو هيئة أو وزارة أو عمل خاص أو عام. ليس ذلك فحسب بل هناك ألف وسيلة ويزيد، على إصلاح الموظف أو العامل أو الكادر المقصر، مع الحفاظ على نفس العلاقة الأخوية الطيبة.

وبيت القصيد هنا أن المدير الناجح هو من يدفع أتباعه إلى بذل أقصى الجهد والوقت في إتقان العمل وتطويره، والمدير الفاشل هو من يدفعهمم إلى بذل إقصى الجهد والطاقة والوقت في مجرد المحافظة على عملهم خوفا من فقدانه (تملق، مداهنة، تظاهر، تجنب لغضب المدير… إلخ). والحزم يكون مع المودة والمحبة واللين، وهنا تكمن قمة الإبداع، وما كان اللين في شيء إلا زانه. والله من وراء القصد.

 

فتحي الفاضلي

طرابلس 1 يونيو 2020