ظاهرها سُمّ… وباطنها سُمّ…

دعوة التوزيع العادل للثروة بين برقة وطرابلس وفزان، دعوة مسمومة، ظاهرها سم فتاك، وباطنها سم أكثر فتكا. هي ترسيخ للانقسام والفتنة والتقسيم، ومبرر للتدخل في بلادنا، ومبرر – بالتالي – لاستمرار القتل والحروب والاقتتال. ودغدغة لعواطف السذج من ناحية، والخبثاء من ناحية أخرى.

نحن (رسميا) لسنا ثلاثة أقاليم أو حكومات أو دول أو مناطق حكم ذاتي أو نظام فيدرالي، فالمناطق الثلاثة (برقة وطرابلس وفزان) لا تُذكر إلا في عالم الجغرافيا، وجوانب أخرى اجتماعيه أو تاريخية، وهي أصلا وليدة الحقبة الاستعمارية (برقة لبريطانيا، وطرابلس لإيطاليا، وفزان لفرنسا)، وانتهى كل ذلك مع إعلان الإتحاد في 1964م.

أضف إلى ما سبق، أن أي قرار سيادي، لا يمكن اتخاذه أو تبنيه وسط حالة حرب، لذلك نرى بعض الدول تُكثف من خطاب الانقسام، وتكثف من الدعوة إلى التوزيع العادل للثروة، وبل الدعوة إلى التقسيم، قبل نهاية الحرب، فمع نهاية الحرب، ووجود حكومة واحدة، وتحقيق الأمن والأمان والاستقرار، ستضيع على تلك الدول فرصة الاستيلاء على ثروات بلادنا.

لذلك نرى تلك الدول تدندن، دون توقف، ليلا ونهارا، حول مصطلحات الانقسام والتقسيم مثل: التوزيع… الأقاليم… القبائل.. برقة… طرابلس… الجنوب… الشرق… الغرب… فزان… المركزية… الفيدرالية…. المناطق الثلاثة… وغيرها من مصطلحات “يوم بعاث”.

كما لم تكن ثورة 17 فبراير من أجل “التوزيع العادل للثروة”، فقد خرج الشعب الليبي في 2011م، ليسقط طاغوت أهوج أرعن أحمق، بسبب دمويته واستبداده وعنجهيته. الشعب خرج ضد الطاغوت من جميع أنحاء ليبيا، ولم تتخلف منطقة أو قبيلة أو عرق أو جهة، الجميع شاركوا في ذلك، فالكل كان يعاني، أمنيا وسياسيا واقتصاديا، فلم تكن هناك منطقة تعيش في ثراء وبذخ ونعيم، ومنطقة أخرى تعيش في فاقة وحاجة وفقر. لم تكن الثورة من أجل “التوزيع العادل للثروة”.

أضف إلى ذلك أن تعداد الليبيين لا يتجاوز السبعة ملايين (بعض المدن، وليس الدول في العالم تعداد سكانها يفوق تعداد سكان ليبيا أضعافا مضاعفة). سبعة ملايين ( بل أقل) رجالا وأطفالا وشبابا وشيوخا وكهولا ونساء، يملكون ثروة، ثروة طائلة جدا جدا جدا، لدرجة أن نصف العالم يتقاتل على بلادنا.

ليس ذلك فحسب، بل لو تم تنمية واستثمار واستغلال مصادر أخرى للثروات في ليبيا (الشواطئ، والصحارى، مجالات الطاقة البديلة، السياحة… إلخ)، لتضاعفت هذه الثروة أضعافا مضاعفة. ما أود أن أقوله في هذا الصدد، إن التقاء “الثروة الطائلة” مع “التعداد القليل للسكان” يعني أننا لسنا في حاجة إلى الحديث أصلا عن “التوزيع العادل للثروة” فالعيشة الكريمة، بسبب هذه الثروة، متاحة وميسرة للجميع، مع وجود الحكومة الوطنية المنتظرة.

ثم أين هي الثروة، حتى توزع ( عدلا أو ظلما)، فثروة ليبيا مبعثرة في الخارج، إما مجمدة في بنوك أمريكا وأوروبا وإفريقيا وغيرها من الدول، أو مهربة في عدة دول أيضا، ثروة طائلة (ذهب، وألماس، ونقد، واستثمارات) تبلغ أكثر من 200 مليار دولار.

ما يعني أنه لا يوجد منطقة في ليبيا، تمتعت – قبل ثورة فبراير – بالثروة على حساب منطقة أخرى، الثروة – وبكل بساطة – لا وجود لها، فهي، مرة أخرى، مبعثرة وموزعة وشبه ضائعة في دول ومصارف و(هناقر) وأقبية في العالم.

ثروة العقود الأربعة الماضية، إما مجمدة في مصارف العالم، أو منهوبة ومبعثرة في أفريقيا، وغيرها من الدول. فمن أين جاءت نغمة “التوزيع غير العادل للثروة؟”.

اما ثروات ليبيا ما بعد الثورة، فلم تستفد منها أية منطقة على حساب منطقة أخرى في ليبيا، وحتى الفُساد والسُراق كانوا من كل حدب وصوب، ومن كل مناطق ليبيا دون استثناء، ولم تستفد طرابلس أو برقة أو فزان من موارد ما بعد الثورة. فأين هي الثروة حتى توزع أصلا؟!

وهكذا… نحن لسنا ثلاث ولايات أو حكومات، تعدادنا قليل، ثرواتنا طائلة، ثورتنا جاءت من أجل حريتنا وكرامتنا، ليبيا بأسرها اشتركت في هذه الثورة، ثرواتنا في الماضي مبعثرة حتى يومنا هذا، لم تستفد منها أية منطقة، ثروات ما بعد الثورة لم تستفد منها منطقة، دون أخرى.

التوزيع العادل للثروة إذا خطاب تقسيم وفرقة ونصب واحتيال واستيلاء على ليبيا والليبيين. هي – مرة أخرى- سم فتاك، هي خطاب يوم بعاث، فحاربوا هذه الدعوة سياسيا واجتماعيا وإعلاميا، بل ادفنوها إلى الأبد، قبل أن تتسبب في تقسيم وتمزيق ودفن بلادنا. والله من وراء القصد.

فتحي الفاضلي

طرابلس- 13-7-2020م.