من ضحايا الإرهاب في ليبيا: ضحايا المبنى الفاشستي المقدس

هل مبنى القنصلية الإيطالية أعلى قداسة من رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ!

قامت صحيفة “يولاندس بوستنJyllands-Posten – ” الدنماركية، التي سُميت على اسم منطقة أو شبه جزيرة، وربما تتبع الصحيفة أحد أحزاب اليمين المتطرف، قامت بنشر رسوم وقحة غبية قذرة، مسيئة لرسولنا الكريم ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان ذلك في 30 سبتمبر من عام 2005م، ثم أعادت نشرها الصحيفة الألمانية ” Die Weltدي فيلت” وتعنى العالم، وهي صحيفة يومية، وكذلك صحيفة فرنسية (France Soir مساء فرنسا أو فرنسا المساء)، ثم أعادت نشرها صحيفة نرويجية (Magazinet – المجلةفي 10 يناير من عام 2006.

وفي 14 فبراير من عام 2006م أعرب وزير الإصلاح الإيطالي روبرتو كالديرولي عن نيته ارتداء قميص يحمل تلك الرسوم القذرة، قذارة من رسمها، روبرتو كالديرولي طبيب سابق متخصص في جراحة الوجه والفك، وكان يبلغ من العمر 49 عاماً في ذلك الوقت.

وبالفعل ارتدى ذلك القميص، وظهر به على قناة “راي” الإيطالية، بل وعد بتوزيع قمصان تحمل نفس القذارة وعلى نطاق واسع، وأعلن أنه سيهدي قميصا لكل من طلب ذلك، كل ذلك بدلاً من أن يرتدي قميصا يحمل رسوما مسيئة لـ “موسيليني” أو “جراسياني” أو “فرانكو” أو “هتلر” أو غيرهم ممن ولغوا في دماء البشر والبشرية وشاركوا في قمع الإنسان والإنسانية.

الوزير كالديرولي هو أحد قادة “رابطة الشمال” وهي حزب سياسي إيطالي عنصري يمثل اليمين المتطرف، ويعادي الأجانب والمهاجرين، بل ويطالب بطردهم، خاصة المهاجرين والأجانب من غير دول الاتحاد الأوروبي.

الاسم الكامل للرابطة أو الحزب هو “رابطة الشمال لاستقلال بادانيا” (بادنيا منطقة تحاول الانفصال أو الحصول على حكم ذاتي بحسب أحد المصادر)، تأسس الحزب بمدينة ميلانو في 10 فبراير 1989م (1991م حسب مصدر آخر)، وذلك نتيجة لاتحاد أكثر من رابطة في وسط وشمال إيطاليا، وأن للرابطة – أثناء تصريح كالديرولي – ثلاث حقائب وزارية هي: العدل والعمل والإصلاحات.

وبعد ثلاثة أيام من إعلان الوزير الإيطالي عزمه على ارتداء القميص الذي يحمل الصور المسيئة للحبيب ـ صلى الله عليه وسلم ـ وبالتحديد يوم الجمعة 17 فبراير 2006م، نظم أهالي بنغازي مظاهرة سلمية انطلقت من أمام ضريح عمر المختار بشارع عمرو بن العاص واتجهت نحو القنصلية الإيطالية التي تقع في نفس الشارع، وذلك للتعبير عن احتجاجهم وغضبهم واستيائهم لتصريحات الوزير الإيطالي، وتصرفاته الصبيانية.

شارع عمرو بن العاص هو الشارع الذي يوجد عند نهايته ضريح شيخ الشهداء عمر المختار، والمسافة بين ضريح شيخ الشهداء والقنصلية الإيطالية يمكن قطعها في أقل من خمس دقائق مشيا على الأقدام.

استطاع أحد المتظاهرين، والذي كان يبلغ من العمر خمسة عشر عاما، أن يتسلق سارية العلم بهدف إنزال العلم الإيطالي، فقام أحد أفراد قوات النظام بإطلاق النار عليه وأرداه قتيلا، فتحولت المظاهرة السلمية بسبب ذلك إلى مشهد دموي بسبب رعونة وغباء وتسرع اللجان المسعورة التي يطلق عليها في ذلك الوقت “اللجان الثورية”، بالإضافة إلى القوات العديدة المصاحبة لها في الموقع.

استولى الغضب على المتظاهرين، نصرة للرسول الكريم ـ صلى الله عليه وسلم ـ من جهة، واستغرابا وغضبا واستنكارا لموقف النظام غير المناصر للرسول من جهة أخرى، فاقتحم المتظاهرون – إثر ذلك – مبنى القنصلية “المقدس”، وأشعلوا النيران في الطابق

الأول من المبنى مع حرق عدد من السيارات التابعة للقنصلية بالإضافة إلى سيارات أخرى تابعة للشرطة والأمن.

وسرعان ما انتشرت في المدينة قوات الدعم المركزي والأمن العام والصاعقة فيما بعد، وقوات وكتائب أخرى من كل حدب وانتماء ومدينة وأجهزة وصوب، بالإضافة إلى قوات أخرى بملابس مدنية، يحمل أفرادها المقنعين مسدسات وبنادق كلاشينكوف، شاركوا جميعهم في قمع المتظاهرين العزل المدنيين.

ثم أضرم المتظاهرون النار في الطابق الثاني من مبنى القنصلية (ربما بعد أن عادوا في اليوم الثاني)، واستمرت الاحتجاجات واستمر النظام في التصعيد والتحشيد لقوات من كل حدب ونوع وصوب كما أسلفنا.

استمرت الاحتجاجات والاضطرابات والتظاهرات والتصادمات واقتحم المتظاهرون عدة مبان أخرى تعود للجان المسعورة (مثابة السلماني)، ومبنى الاتحاد الأوروبي، ومركز شرطة رأس عبيدة، ومركز دراسات وأبحاث الكتاب الأخضر، وربما اقتحام مديرية أمن بنغازي، ومصلحة الضرائب، ومصرف الأمان (ورد في مصدر آخر مصرف الوحدة)، وصندوق الضمان الاجتماعي، والبحث الجنائي، وقسم من محكمة جنوب بنغازي، ومبان أخرى غيرها.

استمرت قوات النظام المتعددة الجهات، بإطلاق النار على المتظاهرين العزل، كما أكد شهود عيان (وأكدت الوقائع أيضا) استخدام قناصة مهنيين تمركزوا على أسطح مبان مجاورة من أجل قنص المتظاهرين باستخدام رصاص خارق حارق، وسقط فعلا أكثر من ضحية بسبب إصابات دقيقة قاتلة في الرأس، ومن بين المباني التي استخدمها القناصة: العمارات الخمس ومدرسة الحرية للبنات.

ونتج عن ذلك سقوط أحد عشر قتيلاً وأكثر من 35 جريحا (وتحدثت مصادر أخرى عن سقوط 12 قتيلا، وغيرها عن 14 قتيلا، وأكثر من 69 جريحا)، أصغرهم بلغ الثالثة عشرة من عمره وأكبرهم بلغ الثلاثين عاما، كل ذلك في سبيل العلم الإيطالي المقدس.

ويبرز من الضحايا الذين توفرت أسماؤهم وأعمارهم، كل من:

– عبد الله سعد صالح العبيدي (من مواليد 1993م، بلغ من العمر 13 سنة وقت المظاهرة، طالب بالمرحلة الإعدادية – يسكن بمنطقة سيدي حسين 13 سنة).

– عبد الرحمن (أو عبد الرحيم) مصطفى الأرناؤطي (17 سنة – طالب بمدرسة شهداء الجزيرة بسوق الحوت – تواتر أنه الشاب الذي قتل أثناء إنزال العلم).

– أيمن مصطفى صالح الجهاني (من مواليد 1987م – بلغ من العمر 19 سنة وقت المظاهرة – طالب المعهد العالي بسيدي حسين).

– محمد المهدي امحمد الغرياني ( 21 سنة – من منطقة بن يونس).

– مجدي فرج الطقطاق (22 سنة – شارع عبد المنعم رياض).

– ربيع محمد بكر علي (الشاعري) (موظف بالدوريات الأمنية – شارع عمرو بن العاص – توفي بمصر – يوم 24 فبراير).

– سالم صالح عاشور محمد الترهوني (مواليد 1983م – 23 سنة – موظف بشركة رأس لانوف).

– إبراهيم عبد الله عبد اللطيف كنعان (أردني – عامل – من مواليد 1980م – 26 سنة – يقطن في الصابري).

– رجب نوري رجب كشلاف (مواليد 1969م – 36 سنة – عمل حر – شارع قصر حمد).

– فرج حميد عبد السلام المسماري (30 سنة – من منطقة الليثي).

– محمد أنس طليمات (سوري – طالب هندسة – من السلماني الغربي).

– أحمد جمعة مفتاح الشيخي (من مواليد 1969م – من منطقة أبوعطني).

– محمد مفتاح محمد عبد الله (مصري – من مواليد 1983م – سباك – يقطن بمنطقة الماجوري).

– أبو بكر عبد الجليل أبو كريعات (مدرس – معهد التكوين – الصابري).

– محمد يوسف سعد المغربي (من مواليد 1988م – طالب بمعهد الحاسوب – بمنطقة الكيش).

– عادل حميد عبد السلام (عريف بالقوات المسلحة).

– رمضان علي محمد ضويلة (48 سنة – الصابري).

– فراد محمد المغربي الساحلي (25 سنة – شرطي تابع للأمن العام – سبها).

– أنس سعد الفلاح (طالب – قتل يوم 21 فبراير – على أيدي كتيبة الجارح – درنة).

– خيري محمد الجالي الورفلي (طالب – يقطن في عمارات الــ 602 – توفي يوم 20 فبراير).

حدث كل ذلك في عهد سيلفيو برلوسكوني رئيس وزراء الحكومة الإيطالية في ذلك الوقت، الذي طلب من الوزير روبرتو كاردولي الاستقالة، على اعتبار أن ما قام به روبرتو يخالف سياسات الحكومة الإيطالية.

لكن روبرتو رفض الاستقالة إلا إذا طلب منه زعيم رابطة الشمال ذلك، وكذلك إذا قام العالم الإسلامي بالتهدئة، ثم استقال روبرتو بعد ذلك، وجاء في أحد المصادر أن برلسكوني أعاده فيما بعد وزيرا في حكومته، بل وربما أصبح نائبا لرئيس مجلس الشيوخ الإيطالي

وذهب البعض إلى أن المظاهرة نظمها النظام قصدا، ووجهها نحو القنصلية الإيطالية، لإحراج إيطاليا حول بعض القضايا السياسية من أجل التأثير على انتخابات كانت قادمة في إيطاليا في تلك الفترة، فقد عزمت الحكومة الإيطالية فتح ملف اختفاء موسى الصدر في ليبيا، وذلك بناء على طلب من الحكومة اللبنانية، النظام السابق ادعى أن موسى الصدر غادر طرابلس إلى إيطاليا واختفى هناك، التحقيق كان سيؤدي بلا شك إلى تورط النظام الليبي في قضية اختفاء الصدر وربما قتله في طرابلس.

وتقول الأصوات التي تؤيد أن النظام هو من نظم أمرا بتنظيم المظاهرة وسمح بها، أنه لا يمكن أن تُنظم في العهد العسكري السابق مسيرة أو مظاهرة أو فعاليات سياسية أو ثقافية بهذا الحجم، دون علم ومباركة وموافقة معمر.

وكذلك صرح رئيس مجلس الشيوخ الإيطالي في ذلك الوقت (مارتشيلو بيرا) “أنه لا يعتقد أنه من الممكن في ليبيا وسوريا وإيران أن تُنظم مظاهرة بهذا الحجم دون أن يكون مسؤول كبير على علم بذلك”، وربما يقصد بالمسؤول الكبير معمر القذافي.

ومهما كان سبب أو جهة أو النية وراء تنظيم المظاهرة، إلا أن مشاعر الناس الحقيقية تجاه النبي الكريم ـ صلى الله عليه وسلم ـ قد ظهرت، سواء كانت المظاهرة بمباركة النظام أو بغير ذلك، فقد تحولت المظاهرة إلى نصرة حقيقية للرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ مع الهتاف ضد النظام بصفة عامة، وضد معمر القذافي بصفة خاصة، وظهر حجم الحب للرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ وعبر الناس بصدق عن غضبهم بسبب الإساءة للرسول الكريم ـ صلى الله عليه وسلم ـ.

وهذا أمر فطري متوقع ومن البدهيات، وأستغرب كيف لا يدركه غير المسلمين، فجميع البشر في أنحاء العالم يقومون بالدفاع عن مقدساتهم، فغضب الناس من أجل مقدساتهم ومعتقداتهم أو أنبيائهم أو شخصيات يقدسونها أمر متوقع وبدهي وواجب وفطري، فما بالك بإهانة سيد ولد آدم، نبي الرحمة، الذي ما أُرسل إلا رحمة للعالمين.

وأتحدى في هذا المقام قادة العالم واللجان الثورية وقوات الدعم المركزي وجميع الأحياء من رجالات وقوات النظام السابق الذين شاركوا في قمع البشر في ذلك اليوم، أن يحاولوا إهانة مقدس علنا لليهود أو النصارى، أو يهينوا الأبقار علنا في الهند.

وعندما أدرك النظام حجم الكارثة التي صنعها برعونته، كعادته في صناعة الكوارث، عندما أدرك ذلك، حاول امتصاص الحدث، الذي تحول إلى تهديد حقيقي للنظام برمته، خاصة وقد تحولت المظاهرة من احتجاج ضد روبرتو إلى احتجاج ضد معمر.

لذلك قام النظام السابق وكعادته بخطوات تهدئة أو تخدير أو خداع أو امتصاص للموقف، فأقال صوريا بعض رجال الأمن وعلى رأسهم وزير الأمن العام نصر المبرك وإحالته إلى التحقيق، وإيقاف كل من له علاقة بالواقعة وإحالتهم إلى التحقيق أيضا، وأعلن يوم 19 فبراير يوم حداد عام في كافة البلاد، وأُرسل الجرحى للعلاج في أوروبا، وأعلن معمر استنكاره لما حدث، ووعد بتعويض الضحايا، وسمى الضحايا بالشهداء، ودان النظام ما أسماه بــ “استخدام القوة بصورة مفرطة” وهو مصطلح يستخدم غالبا في الدول الغربية عندما تتجاوز الشرطة استخدام القوة المسموح بها ضد المتظاهرين.

لكن ما حدث لم يكن مجرد استخدام مفرط للقوة، بل كانت موقعة حرب وقتال واعتقال وقنص واغتيال، كانت كارثة استخدم فيها النظام أسلحة متعددة، ورصاصا حارقا خارقا حيا، وقناصة، وقنابل مسيلة للدموع، ما حدث كان بنية القتل، لقد كان ما حدث هجوم عسكري مسلح ضد مدنيين، نتج عنه قتلى وجرحى من البشر، بينهم أطفال (13 سنة و15 سنة)، وكان بإمكان النظام استخدام الرصاص المطاطي، أو أية وسيلة أخرى لتفريق المتظاهرين، بدلاً من الرصاص الحارق الخارق.

كما وجه النظام السابق أصابع الاتهام (وكعادته) لغيره، فمن المضحك المبكي أن النظام اتهم روبرتو القذر، بأنه هو من سبب الصدامات الدموية العنيفة التي اندلعت في بنغازي، أي أن تصرفات الوزير روبرتو – بحسب النظام – هي التي أدت إلى القتل والاعتقال والتدمير للقنصلية والدمار (ومن الواضح أن هذا يعتبر عذرا أقبح من ذنب، بالإضافة إلى أنه كذب بواح).

صحيح أن الوزير الإيطالي فعل فعلته الشنيعة وصرح تصريحاته البغيظة؛ لكن من أطلق الرصاص وقتل الليبيين ليس هو، بل فعل ذلك من يفترض أنهم ليبيون، الوزير الإيطالي كان يجب أن يلام لأنه أدرك أن هذه الرسوم ستحدث قلاقل ومشاكل وصدامات وأزمات، فهذه ليست المرة الأولى التي تنشر فيها مثل هذه الصور، وليست المرة الأولى التي تسبب فيها الاضطرابات والأزمات والقلاقل، فلا عذر له، وكذلك الصحف التي أعادت نشر الصور، أدركت جيدا ما يسببه نشر هذ الرسومات، فيقع على عاتقها – بالتالي – جزء كبير من المسؤولية.

صحيفة (شارلي إبدو – Charlie Hebdo) أو تشارلي الأسبوعية، وهي صحيفة فرنسية أسبوعية ساخرة (كاريكاتيرية)، أعادت نشر، أو نشرت رسومات جديدة مسيئة للنبي محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ ما سبب في اقتحام مقر الصحيفة، ثلاث مرات في 2005 (قبل انتفاضة بنغازي) ثم في 2015 ثم في 2020م، وقتل في المرة الثانية (2015) اثنا عشر رساما كاريكاتوريا.

كانت مجلة شارلي الأسبوعية تُعرف باسم هارا- كيرHara-Ker ، وعندما مات شارل ديغول الزعيم الفرنسي في بيته بعد ثمانية أيام من حريق شب في ملهى ليلي في نفس القرية التي مات فيها شارل ديغول، وقتل في ذلك الحريق 146 شخصا، صممت المجلة إثر ذلك غلافا اعتبر إهانة وسخرية من شارل ديغول، فتم حضرها، السخرية من شارل ديغول أدى إلى قفل المجلة أو حضرها، والسخرية من الأنبياء يعتبر حرية رأي، ثم غيرت المجلة أو طاقم المجلة اسمها بعد الحضر، وعادت للصدور باسم شارلي إبدو أو شارلي الأسبوعية.

الوزير الإيطالي – إذا – والمسؤولون عن الصحف التي أعادت نشر الرسومات يدركون تبعات وردود أفعال المسلمين حول هذا الأمر، فيقع عليهم نصيب من المسؤلية؛ لكن مسؤولية القمع والقتل والتنكيل وسقوط الشهداء وجرح البشر والاعتقالات والسجون لم

يقم بها الوزير، ولم يقم بها المسؤولون عن الصحف، هم يتحملون مسؤلية أفعالهم والنظام يتحمل مسؤولية أفعاله.

وكان من أقذر ما نطق به مسؤول ليبي قوله بما معناه “إننا أطلقنا النار على المتظاهرين لحماية الدبلوماسيين أو المقرات الدبلوماسية”، جملة تحتاج إلى مقال في حد ذاتها.

وعلى كل حال فشلت محاولات النظام في تهدئة الأوضاع، فقد بلغ الغضب أوجه بسقوط 11 قتيلا وجرح عدد كبير من المواطنيين الأبرياء، من أجل علم أو مبنى، وهل المبنى أو العلم أكثر قداسة من الحبيب ـ صلى الله عليه وسلم ـ! وأكثر قيمة من أرواح البشر!.

لقد خرج الناس غيرة على رسولهم الكريم، واستنكارا لتصرفات أحد علية القوم في إيطاليا، وارتدائه لملابس تحمل رسوما وتصاميم مقززة، تتطاول على رسولنا الكريم، خرجوا من أجل هدف سلمي نبيل، خرجوا متظاهرين سلميا، فأطلق عليهم الأمن المتعطشون للدماء الرصاص دفاعا عن مبنى حقير، لا يساوي قطرة دم واحدة، بل أقل من ذلك، فكانوا شهداء من أجل نصرة الرسول الكريم ـ صلى الله عليه وسلم ـ.

لقد تجاهل معمر وتجاهل النظام السابق بصفة عامة حب الليبيين الفطري لرسولهم الكريم، فتطاول هو نفسه على الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ كما تطاول على عقائد الليبيين، وعاداتهم وتقاليدهم ومقدساتهم.

وعلى خلفية هذه الأحداث نطقت المومياء اليساندرا، حفيدة بنيتو موسيليني الذي شنقه الإيطاليون من رجليه، نطقت قائلة عقب الأحداث معلقة على مطالبة الليبيين بالتعويض عن الحقبة الاستعمارية السوداء السوداء: إنه “لولا الاحتلال الإيطالي لليبيا في عهد جدها، لكان الليبيون لايزالون يركبون الجمال” على حد وصفها.

وأضافت قائلة “أن الليبيين هم الذين يجب أن يعوضونا لأن استعمارنا لهم كانت نتيجته الديمقراطية والشوارع والمنازل والمدارس، منطق عنجهية وغباء واستهتتار بأرواح البشر، ومن المعلوم أن اليساندرا كانت تترأس حزبا يمينيا متطرفا يسمى “حزب البديل الاجتماعي”، في فترة مظاهرات بنغازي وعندما صرحت بترهاتها.

وهل تدري الساندرا بأن الجنود الإيطاليين عندما كانوا متوجهين لغزو ليبيا، كانوا يرددون نشيدا يقول:

أنا ذاهب إلى ليبيا فرحا مسرورا

لسحق الأمة الملعونة

ومحو القرآن

ولم ينشدوا قائلين أنا ذاهب إلى ليبيا فرحا مسرورا لتعليم الليبيين قيادة السيارات وشق الطرق وبناء المدارس.

ويبدو أن حفيدة الطاغية موسيليني قد ورثت عن جدها الوقاحة وقلة الأدب والجهل وحب التسلط والتعالي والدناءة والنظرة الدونية للإنسان، بل ورثت عنه النفسية المريضة الدموية التي تُجيز القضاء على نصف شعب (أكثر من 750 ألف ليبي بين مهجر ونازح وقتيل ناهيك من دمار البلاد والعباد ومعسكرات الاعتقال وغيرها من الفضائع مما لا يتسع المقام لذكرها)، كل ذلك من أجل أن نترك ركوب الجمال ونتعلم قيادة السيارات ونشق بعض الطرق ونفتتح بعض المدارس، ونصفنا الآخر في قبور الاحتلال الإيطالي، قبح الله منطقك، إن كان لك من منطق أصلا .
 
هذه النفسية الدموية والعقلية الفاشستية التي تبرر قتل وتهجير وتشريد وإبادة ثلاثة أرباع المليون من الليبيين من أجل إقناع ثلاثة أرباع مليون آخرين بالتخلي عن ركوب الجمال، هي عقلية مريضة تنظر إلى البشر كطفيليات وطحالب وحشرات ضارة لا تستحق الحياة على هذه الأرض أو على غيرها، يشاركها في هذه النظرة قادة نظامنا السابق .

هذه النفسية المريضة التي تُهين الأنبياء الذين يهبون حياتهم من أجل الآخرين، وتمدح الطغاة الذين تبدأ حياتهم بموت الآخرين، لا تختلف عن النفسيات المريضة والعقول الدموية التي قادت وطننا، فـ”قادتنا” وجزا الله قادتنا، هم أيضاً لا تساوي أرواح الليبيين في نظرهم دراهم بخسة معدودة، ولا يساوي المواطن في نظرهم حبة خردل أو أقل من ذلك.

نظامنا الليبي السابق، إن كان هناك من نظام، هو الآخر كالطاغية وحفيدته يشنق ويقتل ويسحل من أجل ان يعلمنا القائد “الحب” و”النظرية” و”الحرية”، ويقتل ويشنق ويسحل، من أجل أن يصنع القائد من الليبيين عبرة لبعضهم البعض، فالإنسان في ليبيا أداة يلهو بها القائد وأتباع القائد، تماما كما جاء على لسان النمرود “أنا أحيي وأميت”[البقرة/258].

هذه العقلية الفاشستية التي تريد أن تسحق الأمة “الملعونة”، لا تختلف عن العقول الدموية التي قادت ليبيا، فنظامنا السابق يقتل مواطنيه دفاعا عن مبنى لا قيمة له، بينما قيمة وحرمة الإنسان عند رب الكون أعظم من أول بيت وضع للناس، أعظم عند الله من “الكعبة” الشريفة التي فضلها الله ـ سبحانه وتعالى ـ على مبنى القنصلية الفاشستية بشارع عمرو بن العاص ببنغازي، بما لا يُحصى ولا يعد من عناصر التفضيل، بل فضل الله ـ سبحانه وتعالى ـ الكعبة الشريفة على ذلك المبنى المشؤوم بدرجات تنتفي معها المقارنة أصلا.

هذه العقلية الفاشستية التي جاءت لتسحق الأمة “الملعونة” وتمزق القرآن لا تختلف عن العقول الدموية التي تقود ليبيا، فنظامنا السابق هو الآخر أهان سيد ولد آدم نبينا الكريم قائد الغر الميامين الذي من أجله اقتحم الشهداء المبنى الفاشستي “المقدس“.

لقد أُهين الحبيب ـ صلى الله عليه وسلم ـ من قبل نظام العسكر بداية من إنكار سنته الشريفة، واعتبار يوم موته تاريخا يؤرخ به، إلى لفظ اسمه ـ صلى الله عليه وسلم ـ دون أن يصاحب الاسم ما يستحقه من قيمة ومكانة وفضل، بل ولفظ اسمه من قبل قادة النظام السابق بقلة أدب ممزوجة بالسخرية والدناءة والاستهزاء.

لقد كان في مقدور النظام السابق، إشباعا لعقدة النقص التي كان يعاني منها واشباعا لهواية “المختلف” و”الخلاف” و”الاختلاف” كان في مقدوره إشباعا لكل ذلك، أن يؤرخ بمولده ـ صلى الله عليه وسلم ـ بدلاً من موته، ففي ذلك إشارة ولو ظاهريا إلى محبته، ولكن يأبى الله إلا أن يُظهر أضغانهم وكراهيتهم وأحقادهم “قد بدت البغضاء من أفواههم وما تُخفي صدورهم أكبر”[آل عمران/118].

هذه العقلية الفاشستية التي تريد أن تسحق الأمة الملعونة وتمزق القرآن لا تختلف عن العقول الدموية التي كانت تقود ليبيا أثناء انتفاضة 17 فبراير 2006م، فنظام معمر أجاز كما أجاز الطاغية وحفيدته قتل الأبرياء من أجل إرهاب الآخرين، وأجاز قتل المواطنين لأنهم غضبوا لنبيهم الكريم في مجتمع يفترض أن “شريعته القرآن”، بل أجاز شنق الليبيين والتأرجح بجثثهم لأنهم رفضوا ترهاته، حتى لو كان هذا الرفض لـ”عجز” افتراضي عن استيعاب “النظرية المعجزة“.

العقلية الفاشستية الدموية والعقلية الدموية التي كانت تقود ليبيا لا يختلفان في شيء، لأنهما خرجا من مستنقع آسن واحد، لا تنمو فيه إلا طحالب الغدر والكبر والجهل، فهما نسيج شاذ ووباء وحالة مرضية معقدة تحتاج إلى من يجتث جذورها أينما كانت، ومن أجل كل ذلك تندلع الثورات، ثم يتساءل الأغبياء لماذا قمتم بالثورة؟ والله من وراء القصد .
 

د. فتحي الفاضلي – 17-08-2021م

 
 
المراجع :
 

1- رابط مقطع فيديو للمظاهرةhttps://www.youtube.com/watch?v=YMXvduu4NR4

2- موقع ليبيا المستقبل

-al-https://archive.libyamostakbal.org/Benghazi_17feb/benghazi17th_february.htm
 
3- أوسمة على صدر الوطن الحلقات 163 و 164
-https://www.youtube.com/watch?v=HtUM7gl5pek&list=PL3HVtgVIGmIwyJC0H0HR1fWe551tXHYcZ&index=162

-https://www.youtube.com/watch?v=vPgTYgNb50&list=PL3HVtgVIGmIwyJC0H0HR1fWe551tXHYcZ&index=163