رؤساء دول وحكومات ومنظمات إنقاذ ولجان حقوق وهيئات عالمية وفضائيات وصحف مطبوعة والكترونية ذات انتشار عالمي في كافة دول العالم تسمي البحر الأبيض المتوسط قبالة السواحل الليبية بـ”بحر الموت”، وتصف مراكز إيواء أو بالأحرى مراكز احتجاز المهاجرين في ليبيا بــ “الجحيم الليبي” و”جهنم على الأرض” و”مراكز الموت” وغيرها من مسميات تعكس ما يلاقيه المهاجرون في تلك المراكز من قمع ومعاناة وتنكيل، كما يُطلق مسمى “قوارب الموت” على السفن والمراكب والقوارب والزوارق التي يستخدمها المهاجرون لعبور المتوسط.

مراكز الاحتجاز تفتقد لأبسط مقومات حياة الخنازير. المهاجرون يصرحون بأنهم يفضلون الموت غرقا على البقاء فيها، ومن ينجح في الهرب من براثنها يبتلعه بحر الموت. اكتسبت هذه المراكز ألقابها المرعبة (جهنم والموت والجحيم) بسبب ما يحدث فيها من معاملة للبشر، لا نرضاها للحجر والحديد والصخر، معاملة انسلخ من يمارسها من إنسانيته وضميره وبشريته.

تحتل تهم الاغتصاب والتعذيب والتمييز العنصري والسخرة وتجارة البشر والرق وانتهاكات حقوق الإنسان والاحتجاز التعسفي والقتل غير المشروع والاستغلال الجنسي والتعرض للعنف الجنسي قائمة الاتهامات ضد ليبيا والليبيين.

ناهيك عن سرقة دريهمات وموبيلات وحاجيات المهاجرين الفقراء، والابتزاز المالي عبر إجبار أسر المهاجرين على دفع مبالغ طائلة نسبيا مقابل إطلاق سراح ذويهم من مراكز الاحتجاز أو مقابل تهريبهم، بالرغم مما تعاني منه تلك الأسر من فقر مدقع. بالإضافة إلى العمل في مجالات لا تطاق، بدون أجر أحيانا، والجوع بسبب قلة الطعام في بعض المراكز.  انعدم الطعام – على سبيل المثال – في أحد المراكز بسبب عدم دفع مستحقات الممول، ما سبب في انتشار سوء تغذية حاد. بل والتجويع المقصود أحيانا.

أضف إلى ما سبق ندرة المياه الصالحة للشرب، فهي إما قذرة أو مفقودة أو مالحة. وفي مشهد من مشاهد الذل والاحتقار والقهر والإذلال، يروى أن أحد الحراس كان يرمي بقنينات مياه وسط العشرات من البشر المهاجرين، ما جعلهم يتزاحمون ويتدافعون ويتشاجرون في محاولة للحصول على شيء من الماء، بل وتواتر أن الماء مُنع في بعض المراكز أو اُستخدم كأداة ضغط ضد المهاجرين في بعض المواقف.

ناهيك عن الاكتظاظ بصورة فاقت الخيال. اكتظاظ مع الاختلاط، رجال وشباب وشابات  وكهول وأطفال (بعضهم رضع) ونساء (بعضهن حوامل) أضف إلى ذلك شح حاجيات النوم (فرش وبطاطين وأسرة ووسائد).

اكتظاظ مصحوب بنقص أو غياب الحمامات والمراحيض ومرافق الاغتسال. أحد مراكز الإيواء – على سبيل المثال –  يوجد به مرحاض واحد ما دفع البشر لاستخدام “القناني” ووسائل أخرى لقضاء حاجتهم. ومركز إيواء أخر يوفر دلا “جمع دلو!!!” للتبول. كما يستخدمون علبا او أكوابا أو غير ذلك من أوعية، الأمر الذي يضطر المهاجرين أحيانا إلى  قضاء حاجتهم  في بقعة إقامتهم أو غرفهم أو زنزانتهم.

كما تتكدس القمامة والقاذورات والأوساخ في تلك المراكز، وما يصاحب ذلك من روائح كريهة، مع انتشار القمل والبراغيث وغيرها من الحشرات. ناهيك عن انتشار الأمراض المعدية بما في ذلك الجرب والإسهال والجدري والتهابات الجهاز التنفسي وسوء التغذية الحاد، بسبب نقص أو شح الأدوية ونقص العناية الطبية بصفة عامة. بل وتواتر أن بعض المرافق الصحية رفضت معالجة المهاجرين لأسباب مادية أحيانا، وخوفا من الأمراض المعدية أحيانا أخرى. كما لم يُمنح بعض المهاجرين في بعض المواقف الحق في العلاج حتى لو تيسرت سبله.

أضف إلى ما سبق أن المهاجرين يتعرضون للضرب وبدون سبب من قبل حراس المراكز، يُضربون بمختلف الوسائل والأدوات (الأيدي، العصي، الحجارة، السكاكين، أعقاب المسدسات، أعقاب البنادق وغير ذلك)، مع الركل والصفع والصراخ والنهر والبصق، ويروى أن أحدهم فقد البصر، وآخر فقد السمع بسبب الضرب على الرأس.

أحد الحراس على سبيل المثال كان يضرب أحد المهاجرين بهراوة وتم تصوير ونشر ذلك بواسطة التلفزيون الهولندي. وكان المهاجرون يُجبرون على الوقوف في الشمس ويتعرضون للعقاب إذا ما تحركوا أثناء وقوفهم. وينام بعضهم واقفين ثم يسمح لهم بالجلوس تحت أشعة الشمس طوال النهار.

ليس ذلك فحسب، بل تم إطلاق النار على بعض المهاجرين حتى الموت أحيانا، وإطلاق النار على الأطراف أحيانا أخرى (الرجل في الأغلب). وتواتر أن 28 جثة لمهاجرين وجدت مدفونة في إحدى المدن. وكان المهاجرون يشاهدون زملائهم يموتون أمامهم، إما بسبب سوء التغذية أو الأمراض أو محاولة الهرب فيطلق عليهم النار حتى الموت أحيانا.

لقد تقلص حلم المهاجرين من الوصول إلى أوروبا إلى الهروب من مراكز الاحتجاز في ليبيا.

ثم وفوق كل ذلك، ومع هذه المعاناة، والحاجة والفقر والفاقة التي يعاني منها المهاجرون، ومع المخاطر التي قد يتعرضون لها في البحار، فإن مهربي البشر اللابشر، يتقاضون في المتوسط 1000 يورو على كل مهاجر مقابل توفير “رحلة الموت”.

سمعة ليبيا والليبيين جراء ما سبق في حضيض الحضيض، بالرغم من أننا دولة عبور وليست دولة مصدر أو مقصد. ليس ذلك فحسب بل دولة عبور في حالة انقسام سياسي وحروب وأزمات لا أول لها ولا آخر. من الصعب حماية حتى مواطنيها. بل إن شباب وعائلات ليبية يهاجرون عبر بحر الموت، ويتعرضون هم أيضا لحوادث غرق وموت وابتزاز، في سابقة تاريخية أن يهاجر أبناء دولة نفطية ويتركون بلادهم.

وأود أن أنوه إلى أن هناك مراكز احتجاز رسمية تديرها الدولة (ذكر أحد المصادر أنها بلغت عشرين مركزا) وأخرى غير رسمية، يديرها مهربو البشر (بيوت، مزارع، مستودعات، هناقر، مخازن… إلخ) يُحجز فيها المهاجرون ريثما يتم ترتيب عملية تهريبهم عبر البحر الأبيض المتوسط.

الناجون من مراكز الاحتجاز الرسمية سوى عبر إطلاق سراحهم مقابل مبالغ مالية تدفع لحراسها كما ورد، أو عبر التقاطهم مباشرة (قبل احتجازهم في المراكز الرسمية) من نقاط تجمع أغلبها في سبها وغيرها من المناطق، ثم يتم ترحيلهم مباشرة إلى مراكز أو بيوت أو مرافق الاحتجاز الخاصة التي يديرها مهربو البشر، وُيُمنع المهاجرين من مغادرتها إلى حين ترتيب رحلتهم إلى أوروبا.

أحد مراكز الاحتجاز الخاصة – تم اقتحامه من قبل السلطات –  وقد كان مهيئا لاستقبال مئات المهاجرين، عثر به على أدوات اتصالات دولية وكمبيوترات ومصادر نت وأجهزة خاصة بنظام تحديد المواقع (الإحداثيات)، وأجهزة خلوية ذات اتصال بالأقمار الصناعية، وأرقام خفر السواحل الإيطالي!.

وقبل أن أواصل، علينا أن نتذكر أن المهاجرين وطالبي اللجوء قد تركوا أهاليهم وقبائلهم وأوطانهم بسبب الفقر المدقع، أو القهر والاستبداد والاضطهاد، أو الحرمان من العناية الصحية، أو الحرمان من التعليم، أو البطالة المدقعة، أو غير ذلك من الأسباب. ما أعنيه هنا هو أن تركهم لأوطانهم وتحمل كل هذه المخاطر، لم يكن من باب التنزه والترف والترفيه، فهم مضطرون لذلك أيما اضطرار، فلا خيار لديهم سوى ترك أوطانهم.

المهاجرون يأتون من دول مثل الصومال وساحل العاج والسودان وغينيا ومالي والسنغال وبنغلاديش وتونس ومصر وأريتريا ونيجيريا وغامبيا وبوركينا فاسو وإثيوبيا وإريتريا وغانا ومالي والنيجر وأفريقيا بصفة عامة وغرب آسيا، منهم مسلمون ومسيحيون وعرب وغير عرب.

الجريمة الأكبر تكمن في أن مهربي البشر يوفرون قوارب مطاطية وزوارق خشبية مصممة لحمل عدد محدود جدا من البشر (بعض الزوارق المطاطية مصممة لحمل 12 شخصا في المتوسط) والقوارب الخشبية مصممة لحمل (100 شخص في المتوسط)، لكن من لا ضمائر لهم يخصصون قاربا مطاطيا لأكثر من 140 مهاجر أحيانا، وقارب خشبي لمئات من المهاجرين يصل أحيانا إلى 700 إنسان، يحشرون في الزورق وكأنهم دجاج، كما وصف الوضع أحد المهاجرين.

وفي حادثة واحدة من مئات الحوادث، غرق قارب خشبي على متنه ما يقارب من ثمانمائة مهاجر، وذلك على سواحل جزيرة ” لامبيدوزا ” الإيطالية، فأطلق على هذه القوارب منذ ذلك الوقت مسمى “قوارب الموت.”

القوارب أصلا، وبصرف النظر عن العدد الذي تحمله، غير صالحة فهي إما قوارب صيد قديمة أو قوارب مطاطية مستعملة، مع سترات نجاة أكل عليها الدهر وشرب، تباع  – هذه السترات –  للقادر ماليا بتكاليف إضافية، ولك أن تتخيل أخي القارئ وأختي القارئة حالة مثل هذه القوارب وسط البحار.

لك أن تتخيل قاربا خشبيا أو مطاطيا تتقاذفه أمواج الموت وعلى متنه أطفال ونساء وعائلات وسيدات حوامل هاربون من جحيم أوطانهم وجحيم مراكز الاحتجاز، فاحتمال الغرق وارد، ووارد جدا، وشخصيا أعتبر مهربي البشر قتلة ومجرمين ولا ينتمون إلى فئة البشر، لأنهم يُدركون أن الموت وارد لأطفال ونساء وشيوخ وسيدات حوامل وقُصر، وهم على دراية بذلك.

لقد بلغ عدد الذين ماتوا غرقا منذ 2014 إلى نهاية 2020 – حسب أغلب المصادر – قرابة عشرين ألفا ويزيد من البشر الذين هاجروا من أجل إيجاد أبسط أساسيات البشر، أكل ودواء وتعليم، عدد مرعب بينما العالم بكل إمكانياته وقوته ومقدراته وثرواته واتساعه يتفرج. مذبحة ومجزرة وكارثة إنسانية مسؤول عنها العالم بأكمله. الغرق ليس فقط بسبب خطر وعدم فاعلية الزوارق المطاطية والمراكب وكثرة العدد على متنها، بل أيضا إهمال وتجاهل وتقاعس السفن البحرية الأوروبية.

إحصائيات عديدة تتحدث عن عدد الموتى قامت بها ونشرتها منظمات وجهات وهيئات مختلفة، اختلفت إحصاءاتهم لكنها متقاربة جدا، ما يشكل مرة أخرى كارثة إنسانية وأخلاقية، إحدى الإحصائيات نُشرت على موقع www.statista.com ، جاء في هذه الإحصائية أن عدد الموتى غرقا في البحر الأبيض المتوسط ومنذ سنة 2014 إلى 2021م كالتالي: 3283 (سنة 2014م)، 4054 (2015)، 5143 (2016)، 3139 (2017)، 2299 (2018)، 1885 (2019)، 1417 (2020)، 2021 (1146- حتى الآن).

كما اختفت قوارب بما حملت وحوت، على متن بعضها مئات من البشر، أحد القوارب كان يحمل 73 راكبا، كما اختفت ستة قوارب بين عامي 2014 و2017 وكل منها يحمل العشرات. ناهيك عن مئات من الغرقى الذين لم يُعثر عليهم، فبين عامي 2014 و 2018 فُقد حوالي  1200 من البشر لم يعثر عليهم، أضف إلى ذلك أعداد القوارب التي غرقت والتي اختفت وأعداد الموتى غرقا قبل 2014م.

بحر الرمال

 بعيدا عن مراكز الاحتجاز وعن وسط البحار، ضحايا آخرون من المهاجرين يموتون في الصحراء، يتركهم مهربو البشر في صحاري قاحلة تمتد مئات الكيلومترات من كافة الاتجاهات، فمهربو البشر، هم من طينة غير بشرية. يتركونهم دون مؤنة ولا دليل ولا معدات ولا طعام ولا ماء ولا معدات فيموتون عطشا بعد أن يتيهوا في بحر من الرمال. وكان موت ستة من المهاجرين وجدت جثثهم في الصحراء وثمانية مفقودين، أخر مثل هذه الحوادث، وقد تم الإبلاغ عنهم بواسطة مهاجر استطاع الوصول إلى الكفرة.

حلول  ترقيعية أنانية فاشلة

الاتحاد الأوروبي والمجتمع الدولي أبدع في إيجاد حلول ترقيعية فاشلة تنم عن أنانية وعنصرية مطلقة. فقد أطلق الاتحاد الأوروبي في يوليو من عام 2015م عملية بحرية عسكرية أطلق عليها اسم “صوفيا”، وذلك عقب تحطم وغرق عديد الزوارق التي كانت تحمل مهاجرين مات منهم مئات غرقا في فترة وجيزة جدا، وخاصة في أبريل من عام 2015م، كان أحد الزوارق – على سبيل المثال – يحمل في تلك الفترة قرابة ثمانمائة مهاجر، غرق ومات منهم قرابة سبعمائة كما نوهنا سابقا.

وأصل تسمية “صوفيا” أن سفينة إنقاذ ألمانية تحمل اسم “شليسفيج هولشتاين” (اسم إحدى الولايات الألمانية) أنقذت في الرابع والعشرين من شهر أغسطس من عام 2015م سيدة صومالية مهاجرة كانت حاملا، فأنجبت طفلة على متن تلك السفينة، وكانت أول طفل يولد على ظهر سفينة ألمانية، فتم تسمية الطفلة “صوفيا” على اسم أميرة ارستقراطية ألمانية في زمن الإمبراطورية الألمانية، تدعى لويز صوفي (1837-1899) خُصصت لها سفينة – في ذلك الوقت – كانت تطلق إشارات نداء لاسلكي باسمها: صوفيا x أو (Sophie x).

 ومن مهام عملية “صوفيا” مراقبة وإيقاف عمليات تهريب اللاجئين، ورصد شبكات تهريب البشر في البحر الأبيض المتوسط، وإعادة توجيه أو إبعاد السفن المشبوهة بعيدا عن الشواطئ الأوروبية، واعتقال المهربين والمتاجرين بالبشر، وجمع وتبادل المعلومات عنهم بين الدول المعنية، بالإضافة إلى مراقبة وايقاف الاتجار غير المشروع بصادرات النفط من ليبيا، ثم أضيفت إليها مهمة جديدة وهي تدريب خفر السواحل الليبي على إنقاذ (إرجاع) المهاجرين من عرض البحر.

انتهت مدة عملية صوفيا في أواخر مارس من عام 2020م، واستبدلها الاتحاد الأوروبي بعملية جديدة سُميت بعملية “إيريني” أضافت إلى مهامها مراقبة حظرِ تصديرِ الأسلحة المفروض على ليبيا من قبل الأمم المتحدة، بالإضافة إلى المهام السابقة لعملية صوفيا.

وفي الواقع فإن المهمة الحقيقية للعمليتين (بالإضافة إلى مهام أخرى) هي منع وصول المهاجرين إلى أوروبا، وإبلاغ خفر السواحل الليبي لإعادتهم إلى ليبيا. وهكذا تحولت عمليات خفر السواحل الليبي من حراسة الحدود الليبية البحرية، إلى اعتراض المهاجرين وسط البحار وإرجاعهم إلى ليبيا.

وأرى أن العمليتين (صوفيا و إيريني) مجرد حلول وهمية تخفي وراهما نوايا أخرى. لقد تلخصت مهمة العمليتين الخفية في صد واعتراض المهاجرين غير الشرعيين، وإبلاغ خفر السواحل الليبي على إحداثيات أو مواقع زوارق وقوارب المهاجرين في البحر، والذي يقوم بدوره بإرجاعهم إلى ليبيا، في خرق واضح للقانون الدولي والإنساني، حيث يمنع القانون الدولي إرجاع المهاجرين إلى مناطق أو دول أو أماكن غير آمنة، وليبيا مصنفة دوليا على أنها غير آمنة لدرجة أن المهاجرين يفضلون الموت غرقا على إرجاعهم إلى ليبيا.  بل ويعتبر إعادتهم إلى ليبيا إعادة قسرية، ما يشكل انتهاكا آخر لحقوق الإنسان.

ولقد تم في هذا الصدد اعتراض 31500 مهاجر في النصف الأول من عام 2021م، و23117 في النصف الأول من عام 2020م، وكلما اعترضوا قاربا أو زورقا أعلنوا أنهم أنقذوا ركابه من الغرق، وهم في الواقع اعترضوا طريقه وأرجعوا ركابه إلى ليبيا.

ومن الحلول الترقيعية أيضا ضبط الحدود الجنوبية الليبية بين ليبيا وتشاد والنيجر والسودان (آلاف الكيلومترات) ومراقبة طرق تهريب البشر من الحدود إلى داخل ليبيا (سبها)، مئات الكيلومترات. حل عبثي نظري ترقيعي، خاصة إذا اخذنا في الاعتبار طول الحدود في تلك المناطق الصحراوية النائية والحاجة إلى الآلاف من حرس الحدود والإمكانيات الهائلة.

ومن الحلول الفاشلة أيضا، أن وقعت ليبيا وإيطاليا في 3 يوليو 2003 مذكرة تفاهم حول الهجرة غير الشرعية، تشمل تقديم المساعدات لليبيا في هذا الإطار. وعندما زار جوسيبي بيسانو وزير داخلية إيطاليا (في ذلك الوقت) ليبيا في 26 سبتمبر 2004 كشف عن رغبته في اختيار ليبيا كمركز تجميع لمكافحة الهجرة غير الشرعية، هكذا وبكل برود طلب أن تكون ليبيا مركزا لتجميع مئات الآلاف من المهاجرين !!!! ثم تنقلب الدنيا ولا تقعد على الليبيين.

كما وقعت معاهدة صداقة وتعاون وشراكة بين ليبيا وإيطاليا في31 أغسطس 2008، تنصلت منها إيطاليا في مارس 2011. كما سبق هذه الاتفاقية أو المعاهدة إعلان مشترك في 1998م، بين ليبيا وإيطاليا أيضا، واتفاقية مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة وتجارة المخدرات والهجرة غير الشرعية، الموقعة في طرابلس في 2007م، ثم أعلن وزير خارجية الوفاق في مايو 2016م أنه اتفق مع نظيره الإيطالي باولو جينتيلوني على إعادة تفعيلها. وربما أيضا بناء على طلب من حكومة الوفاق للسلطات الإيطالية دعم جهاز خفر السواحل الليبي.

وفي 2017، وقعت حكومة السراج مذكرة تفاهم مع إيطاليا من ضمن بنودها أن تساعد إيطاليا خفر السواحل الليبية في اعتراض وإيقاف الهجرة غير القانونية في البحر، وإعادة المهاجرين إلى مراكز الاحتجاز في ليبيا، في مقابل دعم وتدريب وتجهيز خفر السواحل الليبي وامتيازات أخرى، مع العلم أن ليبيا ليست طرفاً في اتفاقية شؤون اللاجئين لسنة 1951 وليست طرفا بالتالي في البروتوكول الملحق بها لسنة 1967، أي أنها غير مجبرة أو ملزمة ببنودها. وعلى كل حال رُفضت المذكرة ولا قت اعتراضا من شرائح عديدة في المجتمع الليبي. وكل هذه الاتفاقيات أراها ذرا للرماد في العيون وغطاء لإرجاع المهاجرين إلى ليبيا بدلاً من وصولهم إلى إيطاليا وبأي ثمن.

والطموح الأكبر لإيطاليا أو أوروبا بصفة عامة من كل هذه الاتفاقيات هو توطين اللاجئين والمهاجرين غير الشرعيين في ليبيا (نصف مليون مهاجر حسب أكثر من مصدر وإحصائية)، وذلك عبر الإبقاء عليهم في الأراضي الليبية في مراكز الاحتجاز أو أن تصبح ليبيا مركز تجمعهم، ثم إطلاق سراحهم لتصبح ليبيا هي بلد المقصد بدلا من أوروبا. وأستغرب كيف يوافق أي ليبي على مثل هذه المعاهدة، إن كان ليبيا أصلاً، وكيف يتم التوقيع عليها من قبل الليبيين؟

ليبيا التي تعاني من صراعات وفوضى وانقسامات، عسكرية وسياسية واجتماعية، ليبيا التي تعاني من الانفلات الأمني، تريدنا أوروبا والأمم المتحدة أن نهتم ونحافظ ونرعى ونستقبل نصف مليون مهاجر غير شرعي، ونوفر لهم حياة كريمة طعاما وأدوية وأمنا وأغطية ومراكز احتجاز تناسب بشرية الإنسان.  دول أوروبية تصدر لليبيا أسلحة بمليارات الدولارات لنتقاتل لكنها عاجزة عن إنشاء مراكز احتجاز تليق بالبشر، وعاجزة بأساطيلها وإمكانياتها الهائلة في إنقاذ المهاجرين وسط البحار، وتوظف خفر السواحل الليبي للقيام بهذه المهمة البشعة.

تنصل وهروب وتخل دولي

وفي تنصل وهروب واضح من المسؤولية طلبت الأمم المتحدة من ليبيا إطلاق سراح المهاجرين فورا من مراكز الاحتجاز وتقليص عددها، وضمان احتجاز الإناث بشكل منفصل عن الذكور، وتحسين أوضاع الاحتجاز، وتعديل التشريعات الليبية لكي يتم إلغاء تجريم الهجرة غير الشرعية، والمصادقة على اتفاقية 1951 الخاصة بوضع اللاجئين و بروتوكول 1967م الملحق بها، وسن قانون وطني للجوء. كل ذلك يعني التوطين في ليبيا، وغض البصر عن دور أوروبا في هذه القضية، بل ودور العالم بأكمله.

كما أن بعض تقارير الأمم المتحدة تتحدث عن ليبيا كبلد عبور وبلد مقصد في نفس الوقت، وهذا غير صحيح على الإطلاق، فليبيا بلد عبور وليست بلد مقصد. المهاجرون لا يرغبون في البقاء فيها. وإذا صح ذلك ففئة ضئيلة جدا استسلمت للأمر الواقع أمام أخبار بحر الموت، أو بسبب اطلاعهم يوميا على عدد الغرقى أو عدد الذين تم اعتراضهم من المهاجرين ما جعلهم يترددون في الهجرة والقبول بالبقاء مؤقتا في ليبيا.

الحل الأكثر تجاوزا للإنسانية

يقوم خفر السواحل الليبي باعتراض سفن ومراكب وقوارب المهاجرين وإعادتهم إلى مراكز الاحتجاز، لكن حسب القانون الدولي يُمنع إعادة المهاجرين إلى أماكن غير آمنة كما نوهنا. وليبيا تعتبر مكانا غير آمن بسبب عدم الاستقرار من جهة، وبسبب ما يتعرض له المهاجرون من معاناة وظلم واضطهاد في مراكز الاحتجاز من جهة أخرى.

كما يفرض القانون الدولي على السفن التي تعترض المهاجرين أو تنقذهم إنزالهم في مواني الدولة التي تتبع لها السفينة. وبذلك يكون الاتحاد الأوروبي قد خدع أو وظف أو استغل أو ورط خفر السواحل الليبي في هذه المخالفة القانونية الواضحة.

لقد حولت إيطاليا والاتحاد الأوروبي ليبيا إلى شرطي في خدمتهم. فخفر السواحل الليبي يُستهلك في البحث عن المهاجرين في وسط البحار وإعادتهم إلى ليبيا وحراستهم وإيوائهم في مراكز الاحتجاز، بينما خفر السواحل لكافة الدول الأوروبية في راحة ومنأىً عن تلك الجهود والمهام اللاإنسانية والمخالفات القانونية. أنانية من الطراز الأول. سفن الاتحاد الأوروبي وبكل أنانية لا تقوم بإنقاذ المهاجرين حتى لا تضطر إلى إنزالهم في موانيها حسب قانون الاتحاد الأوروبي.

حلول إنسانية… سفن إنقاذ خاصة

تعمل على الأقل 12 سفينة ومركبا وزورقا تتبع منظمات إنسانية غير حكومية وغير ربحية من جميع أنحاء الدول الأوروبية على إنقاذ المهاجرين وسط البحار وحملهم على متنها ونقلهم إلى شواطئ أوروبا.

نذكر منها: أوشن فايكنغOcean Viking فرنسا – سفينة تتبع منظمة ” إس أو إس البحر الأبيض SOS Mediterranean” بالشراكة مع منظمة “أطباء بلا حدود”، آلان كردي  Alan kurdi  ألمانية –  تتبع  “سي آي” منظمة ألمانية غير حكومية،  “مراقبة البحرSea Watch 3 ألمانية،  الأذرع أو الأحضان المفتوحة Open Arms إسبانية،  “آيتا ماريا -ita Mari ” إسبانية، “اليونور Eleonore” ألمانية – تتبع منظمة لايف لاين أو حبل النجاة أو الحياة الألمانية، “أليكس Alex” مركب شراعي يتبع منظمة “إنقاذ البشر في البحر الأبيض المتوسط” إيطالية، “يوفينتا Luventa” هولندية – تتبع منظمة ألمانية تسمى “يوغند ريتيت”، “فوس هيستيا  VOS Hestia” إيطالية – تابعة لمنظمة “أنقذوا الأطفال”، “ميندين  Minden” ألمانية – تابعة لمنظمة “لايف بوت – قارب النجاة أو الحياة، “غولفو أزورو  Golfo Azzurro” بنما –  تابعة لمنظمة “برو أكتيفيا”، “برودونس VOS Prudenc” إيطالية – تتبع منظمة أطباء بلا حدود، ماري جونيو Mare Jonio ” إيطالية، تتبعMediterranean Saving Humans “.

 لكن هذه المراكب والسفن والزوارق محاربة ومطاردة قانونيا من كافة حكومات الاتحاد الأوروبي وخاصة ألمانيا وإيطاليا وإسبانيا، كما تُمنع هذ السفن من الرسو على المواني الأوروبية وإنزال المهاجرين على الشواطئ الأوروبية، فعلق أغلبها عملياتها بسبب ذلك.

طالبت عديد المنظمات غير الحكومية من كافة أنحاء أوروبا بالإفراج عن سفن الإغاثة والإنقاذ، فبعض سفن الإنقاذ بقت عالقة وسط البحر لفترة طويلة جداً دون السماح لها بالرسو في أي ميناء أوروبي وعلى متنها مهاجرون تم انتشالهم من البحر (السفينة “أوشن فايكنج  Ocean Viking” أحد الأمثلة).

كما طالبت هذه المنظمات بالبحث عن نظام إنقاذ حقيقي فعال يحد من حالات الموت غرقا في البحر الأبيض المتوسط، ووقف عمليات الاعتراض التي يقوم بها خفر السواحل الليبي. كما طالب مؤخرا (في أكتوبر 2021م) بابا الفاتيكان بإيقاف إعادة المهاجرين إلى ليبيا.

تداعيات أخرى

لم تتوقف حكومات العالم بأكمله تقريبا وأعلامه ومؤسساته، بما فيها بالطبع إعلام الدول الأوروبية عن مهاجمة الليبيين ووصفهم بأسوأ النعوت بسبب ما يتعرض له المهاجرون في مراكز الاحتجاز. بالرغم من أن تلك الممارسات اللابشرية قد يقوم بها مهربو بشر غير ليبيين يقومون بحراسة تلك المراكز، آخرهم (في أكتوبر 2021م أيضا) وهو أثيوبي هارب مطلوب دوليا، يدعى Kidane Zekarias Habtemariam أدانته محكمة أثيوبية باختطاف وتعذيب المهاجرين حتى الموت في ليبيا، وحكمت عليه بالسجن المؤبد. واستطاع الهرب قبل تنفيذ الحكم. وهو الآن على قمة قائمة المطلوبين دوليا. عدة دول مشتركة في ملاحقته.

العالم متكالب علينا بسبب هذه القضية الإنسانية ومن ضمن من يتكالب علينا دول الاتحاد الأوروبي التي لا يهمها إلا إبعاد المهاجرين عن أراضيها. الاتحاد الأوروبي وإيطاليا لم يتحملوا عناء تشييد مراكز احتجاز تليق بالبشر في ليبيا، بل يقضون أوقاتهم ليل نهار في وصف ونقد تلك المراكز وما يحدث فيها.

ناهيك عن أن الدول الاستعمارية وخاصة فرنسا، هي السبب في الفقر المدقع الذي تمر به بلدان المصدر التي يأتي منها المهاجرون، فقد امتصت ثرواتهم بعد أن امتصت دماءهم وطحنت عظامهم. استولت على  ثرواتهم وتركتهم في حالة اقتصادية مزرية، ولم تتوقف عن استغلال تلك البلاد حتى يومنا هذا، يمتصون ثرواتهم ثم يرفضون استقبالهم في بلدانهم. طبقات من الظلم بعضها فوق بعض.

وأرى أن الحلول تنحصر في التالي:

  • توقف دول الاتحاد الأوروبي عن دعم الديكتاتوريات في الدول الأفريقية، بسبب ما يحمله الاستبداد من قمع للحريات وفساد مالي يؤدي إلى الفقر والقمع وانتهاك حقوق الإنسان بصفة عامة وفقدان الأمن والأمان والاستقرار، ما يدفع بالمواطنين إلى ترك أوطانهم.

  • انطلاق وتبني مشاريع تنمية في دول المصدر (وخاصة الدول الأفريقية) في جميع القطاعات وخلق حالة من الانتعاش الاقتصادي ما يشجع المواطنين على البقاء في أوطانهم. وباختصار تنمية دول المصدر.

  • على الاتحاد الأوروبي (27 دولة) والذي يدعي أنه المتضرر الأول من الهجرة غير القانونية أن يتخلى عن أنانيته وبخله وعنصريته وأن يكون رائدا في إيجاد وتنفيذ الحلول الحقيقية لهذه المعضلة، بدلاً من إلقاء اللوم على ليبيا واستغلال خفر السواحل الليبي وتوظيف مقدراته البسيطة خاصة في هذه المرحلة الحرجة التي تمر بها ليبيا.

  • على دول الاتحاد الأوروبي (27 دولة) أن تقنن قبول المهاجرين، فبإمكانياتها وثرواتها الهائلة وسعة أراضيها ومؤسساتها وتقدمها في جميع المجالات، في مقدور كل منها استقبال عدد معين سنويا قانونياً، يناسب حجم ومساحة وثروة ومقدرات كل دولة، فستحل بذلك ثلاثة أرباع المشكلة. خاصة وأن بعض دول الاتحاد الأوروبي – وكما نوهنا – هي من امتصت ثروات تلك البلدان وتركتها في فقر مدقع، ليس ذلك فحسب، بل دول الاتحاد الأوروبي هي من يدعم حكومات فاسدة وحكاما فاسدين مفسدين ما جعل من حياة المواطنين في تلك البلدان جحيما لا يطاق.

  • بل أطالب الأمم المتحدة ممثلة في أمينها الحالي غوتيرس (والذي ألقى باللوم هو أيضا على ليبيا حديثا) وطالب بتحسين مراكز الاحتجاز، والتحقيق في موت مهاجرين على شواطئ ليبيا، أطالبه بحث كل دولة من دول الأمم المتحدة (الجمعية العمومية – 193 دولة) على قبول عدد محدد من المهاجرين سنويا يناسب حجم وسعة وثروة واستعدادات كل دولة أيضا.

وبذلك يمكن أيضا وضع شروط على نوعية المهاجرين من الناحية الصحية، والخلو من الأمراض المعدية، والسوابق الجنائية، والانتماء إلى جماعات إرهابية، أو غير ذلك من تحفظات تدعي دول الاتحاد الأوروبي أنها تشكل خطرا على مجتمعاتها.

  • وعلى دول المصدر كجزء من الحل محاربة الفساد وتوفير فرص العمل لمواطنيهم وتبني أنظمة مدنية تستند على مؤسسات القانون وحماية حقوق الإنسان، وحرية التعبير، وتكافئ الفرص، والتركيز على رفع المستوى الاقتصادي.

  • الإسهام الواقعي الوحيد بالنسبة لليبيين هو تتبع ومراقبة ومداهمة واعتقال مهربي البشر في مراكز الاحتجاز الخاصة، والقضاء على ممارساتهم، مع إرسال المهاجرين إلى ديارهم الأصلية. صحيح أن طموحاتهم في الوصول إلى أوروبا قد تموت، ولكن سيتم إنقاذ حياتهم ويجنبوا مخاطر رحلات الموت على الأقل.

  • أن تكون الحلول المقترحة متزامنة.

لكنني أعتقد أن الاتحاد الأوروبي والمجتمع الدولي لا يريدان حلا، فالحلول متوفرة، ولا توجد إرادة لتنفيذها، وبدلاً من ذلك يتجه المجتمع الدولي في نفس المنزلق دائما، محاربة الظواهر وليس الجذور.

وهكذا…

يواجه رجالنا في خفر السواحل مشقة ومخاطر البحث عن المهاجرين ومطاردتهم وسط البحار، ثم يتعرضون للنقد والسب والشتم وربما المقاضاة القانونية لاحقاً. ليس ذلك فحسب، بل ويُتهمون بالرشوة من قبل الاتحاد الأوروبي وبالتواطئ مع مهربي البشر، بينما شباب أوروبا يتمتعون بحياة طبيعية من رياضة ومرح وأمن وهدوء وسكينة وتعليم. هم سبب المأساة ونحن المتهمون، نحن من يتلقى النقد والقدح والتهم والتجريم والهجوم.

لا أقول إن ما يحدث في مراكز الاحتجاز من ممارسات ضد البشر، كلها أو جلها أو بعضها، غير حقيقية، بل تواتر الحديث عنها وبكل قوة على صفحات منابر إعلامية وصحف عالمية وتحقيقات ومقابلات وزيارات عدة لتلك المراكز، ودونت ووثقت في تقارير رسمية من قبل هيئات دولية. وصرح بها رؤساء دول وحكومات.

بل بُث مقطع فيديو – صوت وصورة – لأحد زوارق خفر السواحل الليبي وهو يهاجم أو يعترض أو يصدم قصدا زورقا على متنه عشرات المهاجرين وسط البحار. وشاهد العالم بأكمله ذلك المقطع، والذي انتشر كالنار في الهشيم في جميع أنحاء العالم، ما عزز ادعائاتهم حول الوحشية التي يلاقيها المهاجرون من قبل الليبيين في مراكز الاحتجاز ووسط البحار.

وحتى لو صح ما ورد في هذا الصدد من معاملة لا نرضى بها على الإطلاق، بل نستنكرها ونستهجنها ونرفضها ونجرمها – حتى لو صح ذلك –  فالاتحاد الاوروبي ودول العالم بأكمله مسؤولة مسؤولية مباشرة عما يحدث.

ليس ذلك فحسب، بل إن دول العالم بمؤسساته ومنظماته وحكوماته وإعلامه لا يتحدث عن إيجابيات الشعب الليبي فيما يخص المهاجرين. يصلون معنا، نأتمنهم على أرزاقنا ومتاجرنا وأعمالنا، يعملون، يتعلمون، يلتحقون بالكتاتيب، يتزاحمون معنا وبكل احترام في الشوارع والمقاهي والأسواق، يحولون أموالهم لأهاليهم كما ومتى يحلو لهم يحتفلون معنا في مناسباتنا وأعيادنا، يمارسون عاداتهم وأعرافهم وتقاليدهم، ينالون أجورهم وحقوقهم كاملة عقب الانتهاء من أعمالهم، وعديد الإيجابيات الأخرى التي لا يتحدث عنها العالم، أتحدث هنا عن الشريحة منهم خارج مراكز الاحتجاز.

مرة أخرى، نحن في ليبيا في حالة حرب وصراعات وانقسامات، بينما دول الاتحاد الأوروبي تدفع بآلاف المهاجرين للعودة القسرية إلى ليبيا. دول الاتحاد الأوروبي تريد من ليبيا الممزقة أن تهتم وتحمي وتقدم الخدمات اللائقة بنصف مليون مهاجر غير شرعي، وكل ما أسهمت به مجرد زوارق لإرجاعهم إلى ليبيا. أضف إلى ما سبق الاستغلال السياسي لهذه القضية من قبل أغلب الدول وخاصة فرنسا.

دول الاتحاد الأوروبي ودول ما يسمى بالمجتمع الدولي يرسلون إلينا بالطائرات والصواريخ والمدرعات والأسلحة الثقيلة وأدوات الموت من كل نوع بمليارات الدولارات لقتال بعضنا البعض، وتأجيج الحروب بيننا، وتعميق أزماتنا، بينما لا يتكفلون ببناء مراكز احتجاز تليق بالإنسان، مراكز احتجاز لا تُكلف جزءا من مليون مما ينفقونه على أسلحة الدمار التي يرسلونها إلى ليبيا.

عندما يُصرح المهاجرون بأنهم محاصرون بين الشيطان والجحيم، فإنهم يعنون بـ “الشيطان” خفر السواحل الليبي، ويعنون بـ “الجحيم” مراكز الاحتجاز، وفي الواقع فإن “الجحيم” هو أوطانهم الأصلية التي تركوها، وأن الشيطان الأناني هو الاتحاد الأوربي. كلمة أخيرة لخفر السواحل الليبي، أنتم خفر سواحل الشواطيء الليبية، ولستم خفر سواحل أوروبا. والله من وراء القصد.

فتحي الفاضلي

طرابلس- 3-11-2021م

مشاركة