الهيبة.. الهيبة.. الهيبة
في ثقافة التخلف والمتخلفين، في ثقافة أصحاب العقول المحشية بالتبن، في ثقافة الحمير البشرية، تُكتسب هيبة الفرد وهيبة الدولة وهيبة الوطن من الضرب بيد من حديد على أيدي المواطن، تُكتسب من القوة، من القمع، من نفخ الصدور، من المشي بكبرياء وتكبر زائفين.
مظاهر ودلائل الهيبة عند أصحاب تلك العقول، هي التفرس بحدة في عباد الله “التفنيص”، هي القبضة الحديدية، هي الطوابير التي تصطف لمصافحة الصنم.. هي التزاحم لرؤية الأصنام البشرية، والهتاف لهم بألفاظ أقرب إلى الشعوذة والطلاسم والطقوس.
هيبة الفرد والدولة والوطن يراها أصحاب العقول الجوفاء في الكم الهائل من الحراسات الذين يحيطون بالسيد، يرتدون النظارات السوداء، كسواد قلوبهم، وجوههم عبوسة متجهمة بشعة.
يرون هذه الهيبة المزيفة في التطبيل و”اللقاقة” و”التزمير”، يرونها في تمجيد من يستحق الصفع والركل والبصق، يرونها في التملق والتصفيق والأشعار والقصائد والكلمات والأغاني والخطابات التي تُتلى في وصف كامل الأوصاف.
هيبة الوطن وهيبة الدولة تراها هذه الفئة، في طول طوابير الدبابات والمدرعات وآلات الموت، التي لم تُوجه في عالمنا العربي إلا إلى صدور المواطنين، يرونها في الكم الهائل من شهادات التقدير والدروع والنياشين والأوسمة المزيفة التي تبحث عن انتصارات دون جدوى، وفي غير ذلك من صفات كاذبة زائلة متصنعة زائفة.
لسان حال هذه الفئة المتخلفة يتحدث عن العلاقة بين المسؤول والدولة من جهة، والمواطن من جهة أخرى، وكأنها مباراة مصارعة أو صدام أو عداوة أو مشاجرة أو ملاكمة أو قتال.
لكن هيبة الدولة في ثقافة العقول السوية، هيبة الدولة في القرن الواحد والعشرين، تُكتسب من الحفاظ على كرامة الإنسان وحقوق الإنسان، تُكتسب من توفير منظومة تعليم رائدة تُناسب عصر الانفجار المعرفي، من توفير منظومة صحية متقدمة، من توفير الأمن والأمان والسلام للإنسان، من توفير الحد الأدني من حاجات المواطن، ليعيش بكرامة في وطنه، في الاحتفاظ والافتخار والاعتزاز بعاداتنا وتقاليدنا وعقائدنا، وحمايتها والدفاع عنها.
تُكتسب من حماية دماء وأعراض وأموال المواطنيين والوطن، تكتسب من إحلال القسط والعدل بين الناس، من ترسيخ قيم الخير في المجتمع، من البناء، من وضع وتنفيذ إستراتيجيات اقتصادية مثمرة ناجحة ترفع من مستوى المواطن والوطن، تُكتسب من اعتبار حقوق المواطن: حق، لا يمن به أحد على المواطن، حق لا نزاع فيه، ولا نزاع عليه.