الرسالة التي انتصرت إلى الأبد..
إهداء إلى مؤسسة أنصار أبولهب.. أو.. بالأحرى مؤسسة التكوين.
إلى يومنا هذا، ما زال أبولهب يدور وسط الناس كالمعتوه، يرفع صوته كصوت الحمير، يطعن في سيد الخلق الفقير الأمي اليتيم، والصادق الوفي الأمين.
لم يُدرك أبولهب تبعات الهزيمة، ولم يُدرك سنن التلاشي، فلم يختف من حياتنا، بل ما زال يطل، من حين إلى آخر، كضيف ثقيل بشع سقيم، يشاركنا بتملق أحاديثنا وحواراتنا ومساجلاتنا، ما زال يتحدث عن ديننا، عن عقيدتنا، عن إيماننا، عن نبينا، عن قرآننا، وهو ليس واحدا منا.
ما زال يطل في ألف هيئة وهيئة، كل هيئة كخضراء الدمن، وكل هيئة أسوأ من سابقتها، فتبدأ كل طلة بشعة بتساؤلات بريئة وتنتهي بمشهد نتن قذر، يجمع مزيجا من كراهية ووقاحة وغرور، وقلة أدب مع الله ورسوله، بل تنتهي بمشهد يجمع أبشع من كل ذلك، كفرا وإلحادا وجحودا لنعمة العقل، الذي كرمنا الله به.
ظهر أبولهب – اليوم – في هيئة مؤسسات، ظهر كفرد وأفراد، ظهر كأنظمة ورؤساء وأمراء وحكومات، كفرق وأحزاب، كمذاهب ودول وانتماءات، كرؤى وأفكار، ظهر كمفكر، كـ”قائد”، كإعلامي، كفيلسوف، ظهر على هيئة عالم وحكيم وكاتب وشاعر ورسام، ارتدى – أبولهب – البدلات المدنية الأنيقة وربطات العنق الفاخرة، ظهر بيننا ببدلات عسكرية غطتها أوسمة تبحث دون جدوى عن انتصارات .
صرخ أبولهب ولطم، ركل وصفع، تحدث ورسم، كتب وقتل، سحل وسحق ومحق، ناظر وحاجج وجادل، ضد الإسلام، والمسلمين، يريدوننا هو ورفاقه أن نستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير، نستبدل ثقافتهم بثقافتنا، ودينهم بديننا، وترهاتهم بإسلامنا، ومجونهم بحضارتنا.
أبولهب ورفاقه فقدوا اليوم صوابهم، فطعنوا في كل شيء، في الأنبياء، في المقدسات، في التاريخ، في الكتب السماوية، في العقائد، في الأصول، في الفروع، في السيرة، في الجزية، في الردة، في الزواج، في الطلاق، في الحروب، في الأحاديث، في الإرث، في الأذكار، في الرسل، في الشهادة، في العقوبات، في المعجزات، في الحقوق، في الفرائض، في السنن، في الملائكة، في الوحي، في الغيب، في القرآن، في التفسير ، في أهل الذمة، في العلماء، في الأئمة، في المذاهب، في الله، في كل شيء.
تراهم يقفزون كالجراد، من زمن إلى آخر، ومن شبهة إلى أخرى، ومن مجال إلى مجال، ومن حادثة إلى حادثة، يتتبعون المتشابهات والفتن والشبهات، علهم يصيبون صيدا ما، يحققون به نصراً على الرسالة التي انتصرت إلى الأبد.
أبولهب ورفاقه اليوم، رضوا بالدنية في ديننا، سخروا منا، استهزؤوا بنا، حاولوا التشكيك في تاريخنا، في ثقافتنا، في هويتنا، في عقولنا، في انتمائنا، في مقدرتنا على التعامل مع قضايانا، في خصوصياتنا، في فهمنا للنصوص، في كل ما يمت للإسلام والمسلمين بصلة، حاربوا ديننا، وكتابنا، ونبينا، وصحابتنا، حسداً من عند أنفسهم.
أحبوا أن تشيع الفاحشة بيننا، حادوا الله ورسوله، والوا أعداء الله، لم يرقبوا في مؤمن إلا ولا ذمة، حاربونا في شرائعنا، في نسائنا، في ملابس نسائنا، لم يبخلوا على المسلمين بتهمة أو منقصة أو عاهة إلا ألصقوها بهم، بل وألصقوها بنبينا.
فالمسلمون، زنادقة، وأوصياء على الدين، وهراطقة، ومتزمتون، ورجعيون، ومشعوذون، ودراويش، بل نحن (عندهم) قوم يعشعش القمل في لحاهم، وقوم غُسلت بالجملة أدمغتهم، وطمست بالكلية شخصياتهم، بل وكل ما فينا جهل وسذاجة وانحراف.
نحن في نظر أبولهب ورفاقه أغبياء، لأننا لم نستخدم العقل الذي وهبه لنا الله في نفي وجود الله.
أبولهب ورفاقه، سيجدون الوقت لنبش قبور الصحابة الكرام، والطعن فيهم واحدا واحدا، لكنهم لن يجدوا الوقت لنقد الطغاة الظالمين الأحياء الذين يذيقون البلاد والعباد، الويل والثبور والهلاك، أمام أعينهم، وعلى مرمى من أسماعهم وأبصارهم.
سيجدون وقتا لكل شبهة ومقولة وحادثة، لكن لا وقت لديهم لمن يدك بيوت المسلمين على من فيها، ولا وقت لديهم، لمن يحرق العالم اليوم، ويمتص دماء الأطفال والنساء والشباب والشيوخ والرجال.
سيحدثكم أبولهب عن ألف رأس ورأس، حُزت منذ ألف عام وعام، ولن يحدثكم عن عشرات الآلاف من الرؤوس التي تُحز اليوم، وكل يوم، ظلما وعدوانا، لن يحدثكم عن قنابل الديمقراطية والليبرالية والعلمانية ودباباتها وحصاراتها وحرائقها ودمارها، لن يبكي على الذين ذبحهم هؤلاء، لن يحدثكم عن إرهاب الدولة، وعن إرهاب الرؤساء والأنظمة
والملوك، بل سيبكي على رأس الحلاج التي تدحرجت منذ ألف سنة ويزيد، بكى عليه في حينها من بكى.
لن يحدثكم أبولهب عن ظلم الظالمين اليوم، فهو مشغول في الطعن في الأنبياء وأعراض الأنبياء، ومشغول في نفس الوقت في الدفاع عن مجتمعات اللواط والسحاق، التي يلعنها حتى أهلها.
أبولهب اليوم، يريد أن يحررنا مشكورا، من عبودية القيم، ومن تكاليف السماء، ليستعبدنا بالإباحية والانحلال والعبثية، سيحاول إقناعنا، بأن أجدادنا من القرود، وأن الردة ليست خيانة، وأن الغدر والخيانة لا يستحق صاحبهما الموت، سيجرب أبولهب كل شيء، وأي شيء، لينال من الرسالة التي انتصرت إلى الأبد، لكن دون جدوى.
دون جدوى..لأنه كلما أطل أبولهب… هُزم.. شر هزيمة… وولى الدبر.. هُزم ورفاقه، إلى الأبد، لأنه مع كل طلة بشعة لأبي لهب، يطل شهيد، يَهْزِم أبولهب، يطل مشهد يحمل انتصاراً، يطل بطل، يطل عالم، يطل قلم، يطل فارس، تطل دولة، تطل أمة، تصفع أبولهب، وترسخ الرسالة التي ما جاءت إلا لتبقى، وما جاءت إلا لتنتصر.
لذلك هُزم أبولهب الأول، وسيهزم الآخر، وسيهزم القادم، فالرسالة قد انتصرت إلى الأبد، فاصبروا، وصابروا، وألقُوا أيها المؤمنون ما في أيديكم، وما في عقولكم، فستلقف ما يصنعون، والله المستعان على أمره.
د. فتحي الفاضلي
9 – 5 – 2024م
نشرت أول مرة في 2005م.