سادتي الكرام، أي جيش يريده الوطن؟

مقال | د. فتحي الفاضلي

سادتي الكرام، الوطن يريد جيشا يخاف الله، ويحب الوطن، ويحميه، ويحمي الناس، لا نريد قوات تغتصب الشعب وتقتله وترهبه بحجة الضبط والأمر والأوامر والربط، نريد الجندي والضابط الذي يدرك أنّ دماء البشر أعلى قداسة من الأوامر، نريد الجندي والضابط الذي يرمي السلاح إذا تلقى أوامره من معتوه بقتل المدنيين من أبناء جلدته، ومن غير أبناء جلدته.

نريد الضابط والجندي الذي يقول: إنّ هذه الأسلحة والمدرعات والدبابات والطائرات والبنادق والقنابل والأحذية والحراب والصواريخ والخوذات التي دفع الشعب الليبي دمه لشرائها لا يمكن أن تُستخدم لذبح الليبيين.

نريد الجندي الذي يؤمن بعقيدة الشعب ويحترمها، ويحترم أعراف وتقاليد وعادات الليبيين، نريد الجيش القادر على خوض غمار الحروب، وإذا انهزم انهزم بكرامة، ويقبل الهزيمة ويدرس أسبابها ويعترف بها ويوثقها ويحاسب المقصرين، وإذا انتصر لا يبغي ولا يطغى ولا يغتصب ولا يحرق الحجر والجثث والشجر، ولا يعيث في الأرض فسادا.

نريد الجيش الذي يحب المواطن والبلاد والوطن، نريد الجيش الذي يعرف مهام الجيوش وأهدافها وواجباتها، نريد الجيش الذي يرفض أن يتحول إلى عصا غليظة في أيدي الحكام والأنظمة والحكومات يرهبون بها الناس، تحت أي ظرف، وبأي حجة، أو أن يتحول إلى طاووس يستعرض به الطغاة عضلاتهم ويتباهون به أمام شعوبهم، نريد الجيش الذي يرفض أن يوجه بنادقه إلى صدور المدنيين مهما كانت الأسباب والدواعي والمسببات.

نريد جيشا يؤمن بوحدة ليبيا أرضا وتاريخا وبشرا، ويحافظ على وحدة البلاد والوطن والعباد، لا نريد جيش “الكم”، نريد جيش “التقنية” الحديثة، والإستراتيجيات الحديثة، والتدريبات الحديثة، والأسلحة الحديثة، والتكتيكات الحديثة، نريد جيشا، يتناسب مع القرن الواحد والعشرين، نريد جيشا تحكمه القيم الإنسانية، جيشا ينحاز للمواطن والناس والوطن.

نريد الجيش الذي يؤمن بشرف الجندية وقيمة الجندية ورسالة الجندية، نريد جيشا يقدر دماء الشهداء الذين سقطوا دفاعا عن ليبيا وشرف ليبيا ضد الظلم والقهر والاستبداد، نريد جيشا يحس ويستشعر ويقدر معاناة وعذابات وآلام اليتامى والضحايا والأرامل والمضطهدين الذين كانوا وقودا لثورة السابع عشر من فبراير.

نريد جيشا يدرك أنّ مِن أعظم مهامه حماية أموال وأعراض ودماء ومقدسات وقيم ليبيا والليبيين، فمن لا يستطيع أن يبني مثل هذا الجيش فليفسح الطريق لمن يستطيع، فالوطن لا يطيق أن يُطحن عقودا أخرى. والله من وراء القصد.