عندما يشخصك الطبيب التشخيص الخاطئ سيصف لك الدواء الخاطئ بالتأكيد، وستستمر معاناتك وتستمر آلامك وتستمر أحزانك، بل وقد يتفاقم المرض إلى أن يقضي عليك نهائيا.
الأوطان تنطبق عليها نفس المنهجية، التشخيص الخاطئ لأزماتنا، ورصد أسبابها سيؤدي بالتأكيد إلى تبني الحلول الخاطئة، ما يعمق أزماتنا ويدمر بلادنا.
سأتحدث في هذا العرض المختصر عن نموذج واحد لهذه الظاهرة، ظاهرة التشخيص غير الصحيح، وبالتالي عدم الوصول إلى العلاج الصحيح لقضايانا وأزماتنا ومشاكلنا.
سأتحدث هنا – كنموذج – عن اتهام الإخوان المسلمين بكل صغيرة وكبيرة، وبكل شاردة وواردة، وبكل ما فعلوا وما لم يفعلوا، وأنهم وراء كل أزمة وحدث وموقف ومصيبة وكارثة واحتقان وواقعة، ما ينافي أبجديات التفكير السليم، وما ينافي المنطق والواقع والعدل، وما سيجرنا – بالتالي – إلى التحليلات الخاطئة والقرارات الخاطئة والمواقف السياسية الخاطئة والمعارك الجانبية الخاطئة والحلول الخاطئة، ما سيؤدي كما نوهنا إلى تعميق أزماتنا بدلاً من انفراجها.
أخي القارئ، أختي القارئة، لا يهمني أن تعتبروا ما سأذكره دفاعا عن الإخوان، فمن حقي أن أفعل ذلك، كما من حقي أن أنتقد الإخوان، ومن حقي أن أنتمي إليهم إن أردت ذلك، دون أن أستأذن أو أستشير أحدا، كما ينتمي الناس لتيارات عدة، دون الاستئذان مني ودون استشارتي، ولهم كل الحق في ذلك، ولهم الحق في دعم أو نقد الإخوان.
كما لا أحب أن أضع نفسي في موقف المدافع عن توجهاتي أو انتماءاتي أو مواقفي، ولا يهمني أن يكون القارئ محسوبا على الإخوان أو عدوا لهم.
ما يهمني هنا هو تسليط الضوء على الظاهرة نفسها، ظاهرة احتكار العقل، ظاهرة التضليل الفكري والإعلامي والثقافي والسياسي. وما يهمني أيضا الحقائق وليس النوايا. فأرجو عدم إفساد هذا النموذج – الذي سأقدمه – تحت مقصلة النوايا أو التوجهات أو الخصومات أو المناكفات أو الاستقطاب أو الانتماءات.
فهيا بنا نعدد سبب أكبر كوارث ومصائب ومذابح ومجازر وفساد تعرضت له ليبيا، ولنرصد معاً نصيب الإخوان فيها.
أخي القارئ، أختي القارئة، أليست هذه الحوادث والمجازر والوقائع والممارسات هي أكبر الكوارث، وهي ما ننتقدها ونصب جام غضبنا عليها، ونعتبرها مسؤولة عما يمر به وطننا، أليس من ذكرنا من أفراد وهيئات ومنظمات هم من دمر وطنكم، بشرا وحجرا وشجرا، ومع ذللك لا علاقة لها بالإخوان.
كان هذا نموذجا واحدا من بلدي، للتضليل الفكري والسياسي والثقافي والإعلامي، ونموذجا لاحتكار العقل، وهناك عدة نماذج أخرى، لا يتسع المقام لإعطائها حقها من التفاصيل، منها محاولة احتكار عقلك وإبعادك عن فضائيات معينة (النبأ والتناصح نموذجا) ومحاولة إبعادك عن علماء معينين (الدكتور الصادق الغرياني نموذجا) … أو دعاة… أو مفكرين (سيد قطب نموذجا)… أو كتب… أو غير ذلك… من منابع ومنابر ومصادر العلم والفكر والإعلام.
أخي القارئ، أختي القارئة، لا تفكر بأذنك، تردد ما تسمعه، وكأنه حقائق ووقائع ومسلمات. لا تسمح لهم بأن يجعلوا منك ببغاء، لا تجعلهم يطفئون نور عقلك الذي وهبك الله وفضلك به على كثير ممن خلق.
فكر بنفسك، اقرأ، تابع، تدبر، قارن ثم اصنع ما شئت من قرارات أو رؤى أو آراء.
عندها، وعندها فقط، نستطيع أن نصل معاً إلى أرضية مشتركة منبثقة من تشخيص موضوعي واقعي دقيق، أرضية مشتركة ننطلق منها إلى بناء وطن متحضر آمن راق. والله من وراء القصد.
يقول ابن القيم الجوزية “خلق الله العقل للتأمل والتدبر، وقبيح بمن أعطي شمعة يستضيء بها أن يطفئها ويمشي في الظلام“.
عندما تسمح لهم بأن يحتكروا عقلك… فكأنك أطفأت الشمعة التي تستضيء بها في الظلام. تحياتي.
د. فتحي الفاضلي
طرابلس – 13-07-2021م