عشرات من الإعلاميين العرب … وأكثر… عبر عشرات الفضائيات والمنابر الإعلامية الأخرى … في العالم العربي… يغطّون تفاصيل التفاصيل… عن الانتخابات الأمريكية…. تغطيات خاصة… ندوات… تحليلات… توقعات… حوارات… ضيوف… وخبراء… ومثقفين… ونخب… يشاركون بكلّ حماس في هذه البرامج والتغطيات… لماذا فاز ترامب في تلك الولاية؟ … ولم لم يفز في تلك الولاية؟ … ولماذا يفوز بايدن… في تلك الولاية… ولمْ يفز… في ولاية كذا؟ … كم يحتاج بايدن ليفوز…؟ كيف خذلت ولاية كذا ترامب…؟ … من الرئيس الأفضل لأمريكا؟ … من تتوقّعون أن يفوز؟ … لماذا تأخّرت نتائج الانتخابات…؟ وهكذا… تغطيات وحواراتٌِ ساخنة ومستمرة وحماسية على كافة المنابر الإعلامية العربية، من قبل اعلاميين ومثقفين وسياسيين عرب.
لكنهم جميعهم يعيشون تحت أحذية أنظمة استبدادية متخلفة قمعية، بعض هذه الأنظمة تعتبر مجرد كلمة “انتخابات” أو “ديمقراطية” أو “تصويت” دليلاً على التآمر والتمرد والعمالة.
هذا المشهد المؤلم… يشبه مشهد السيدة التي تهمل نفسها وبيتها وزوجها وأطفالها… تحيط بها القمامة والفوضى… شعرها أشعث منفوش غير مرجل… ملابسها تحتاج إلى الغسل ألف مرة… أولادها وزوجها ينفرون من رائحتها… يخيل إليك أن بيتها ميدان معركة… مطبخها وحمامها لا تطيق الفئران الدخول إليهما. لكن هذه السيدة…. لا تتوقف… في نفس الوقت… عن مدح جارتها: فلانة ما شاء الله عليها… فلانة مرتبة… فلانة نظيفة… مظهرها ما شاء الله… جارتي فلانة مهتمة بأطفالها… ببيتها… بزوجها…. بنفسها… بيتها نظيف… حديقتها منسقة… تبارك الرحمن… وهكذا.
كم كنت أتمنّى أن تكون هذه التغطياتُ والحواراتُ والمتابعاتُ والتحليلاتُ جميعُها تدور حول انتخاباتٍ في أوطاننا المنكوبة بسبب حفنة من الطغاة القتلة الظالمين الحمقى المتعطشين للسلطة والتسلط، والذين كانوا سببا في تخلّف البلاد والأوطان والعباد. لابدّ لأوطاننا – من أجل أن تقوم لنا قائمة – من تحطيم هذا المشهد، والولوج إلى القرن الواحد والعشرين… قرن الحرية والعلم والمعرفة وتراكم المعلومات. والله من وراء القصد.