إن إهمال يتامى وأرامل الشهداء، الذين بُترت أطرافهم، وذوي الاحتياجات الخاصة، والمقعدين، والمفقودين دفاعا عن الوطن؛ هذا الإهمال يعتبر من أحط وأحقر وأدنى وأقذر الممارسات التي قد يمارسها أي شعب وأي حكومة في أي بلد كان.

 

إهمال الذين ضحوا بأنفسهم من أجل أن نعيش عيشة كريمة يعتبر.. جبنا وجحودا، بل يعتبر نفاقا من الطراز الأول هو عار لا يمحى، عار تاريخي، عار على مستوى الوطن بأكمله.

 

جحود وقلة وفاء ونفاق، فالمسؤلون لا يبدؤون أحاديثهم وبياناتهم وتصريحاتهم ووعودهم إلا بالترحم على الشهداء؛ لكن أفعالهم تخالف ذلك فلا نرى إلا الإهمال والتجاهل والتهميش.

 

الأمم الحية لا تترك أرباب الأسر ولا تترك الأسر تعاني اجتماعيا وماديا ومعنويا حتى لو لم يكن رب الأسرة شهيدا، أو مقاتلا، أو ممن فقدوا أطرافهم في سبيل بلادهم، دول لم تصلها قيم الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ لا تترك  – هذه الدول – اليتامى والأرامل، بل لا يتركون حتى ذوي الدخل المحدود، يواجهون متطلبات الحياة دون أن يمدوا لهم يد العون؛ ليس ذلك فحسب بل تمد لهم يد العون بكل عزة وكرامة واحترام.

 

في بلادنا نجد من يريد أن يعوض الإمارات ومصر وروسيا والفاغنر، دول ومرتزقة وعصابات كانت سببا في قتل أبنائنا ودمار أوطاننا، دول قتلت أبناءنا وتركت أسرهم أرامل ويتامى، يريد البعض تعويضهم بمليارات الدولارات، بينما الشهيد والضحية وصاحب الأرض وصاحب الحق وصاحب المليارات تُهمش أسرته ويُهمل أطفاله، في بلد المليارات في بلد النفط يكافؤ الجلاد ويعاقب الضحية!، في بلد المليارات يجوع أبناء الشهيد الذين قُتلوا من أجل أن يحفظوا لنا هذه المليارات.

 

تخبط تناقض عبث استهتار بل خيانة للشهداء، وعار لن تمحوه الأيام، ولن يُطمس من ذاكرة الوطن.

 

 

الشهداء وذوي الاحتياجات الخاصة ومن فقدوا أطرافهم، والمفقودين من أجل أن نتمتع بحياة كريمة بحرية وكرامة هم تاج على رأس الوطن، هم الأولوية، هم الأصل، هم السادة، هم من يجب أن تُكرمهم الدولة، ليس ماديا فقط، بل اجتماعيا ومعنويا، لابد أن ترعى الدولة أسرهم رعاية شاملة كاملة، تضمن لهم حياة حرة كريمة تليق بالبشر، وتليق بتضحيات الشهداء، بل أعتبر ذلك من أبسط الحقوق فلا يَمُن أحد على أسر الشهداء بذلك.

 

من العار أن تتحدث (فضائياتنا) ومنابرنا الإعلامية وميزانياتنا عن المليارات، بينما تبحث أسر الشهداء عن الخبز، عن الطعام، عن الدواء، عن أبسط الأساسيات في دولة المليارات.

 

لا بد أن تُصحح هذه الأوضاع المخزية المشينة المخجلة، ليس فقط عبر الدعم المادي لهذه الشريحة، بل عبر بناء دولة مدنية راقية متحضرة، دولة القانون دولة المؤسسات دولة العدالة الاجتماعية التي مات من أجلها الشهداء، الشهداء ماتوا من أجل أن يرسخوا العدالة الاجتماعية في ليبيا، فإذا بأُسرهم تُحرم من هذه العدالة!.

 

عندما نبني هذه الدولة، نستطيع أن نقول إننا رعينا الشهداء، وأسر الشهداء، وأطفال الشهداء وكل من ضحى من أجل هذا الوطن، عندها نستطيع أن نقول إنّ دماء الشهداء لم ولن تذهب هباء. والله ولي التوفيق.

 

فتحي الفاضلي

طرابلس- 21 سبتمبر 2020

كلمة أُلقيت بمناسبة إشهار المجلس الوطني الليبي الأعلى لشهداء وجرحى ومبتوري ثورة 17 فبراير.