تكالب الأعداء على وطننا من كل حدب وصوب، الخصوم الجدد والسابقون، الظاهر منهم والعلني والباطن، من الداخل والخارج، دول وأحزاب وأفراد، دول إقليمية، دول الطوق، دول أوروبية وأخرى آسيوية، رجال العهد السابق وقادتهم الذين ولغوا في دمائنا، أعداء الربيع العربي، أعداء معتقداتنا، أعداء الديمقراطية والحرية، الجهوية والعصبية والعرقية، عدونا التخلف والجهل، أعداؤنا من يفكرون بآذانهم، أعداؤنا من لا يرقبون في مؤمن إلاًّ ولا ذمة، لا يرقبون في ليبي إلاًّ ولا ذمة.

فمن هم أعداء الوطن من الداخل؟

الدولة العقيمة، وليست العميقة، فالنظام السابق لم يترك دولة أصلاً لتسمى “عميقة” الدولة العقيمة ومن كان يقودها، ولغت في دماء وأموال وأعراض أبنائنا وبناتنا فنجاح الثورة وتأسيس الدولة المدنية يُعد كابوسا بالنسبة لهم، فملفاتهم ستُفتح وسيحاسبون بقضاء نزيه عادل.

يأتي على قمة هذه القضايا، الاعتقال والتعذيب والقتل الذي جرى في معسكر 7 أبريل، مذبحة أبوسليم، التعذيب والقتل بصفة عامة، الاغتيالات في الداخل والخارج، شنق الطلبة، والشنق بصفة عامة، الفساد المالي، سرقة مليارات الوطن، الاغتيالات في الداخل والخارج، من مارسوا كل ذلك لا يريدون للدولة أن تقوم لها قائمة.

أعداء الوطن من الداخل هم الساسة وغير الساسة، الذين يحتلون مناصب سياسية ولا يقومون بواجبهم انتظاراً لانتصار طرف ما (مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَٰلِكَ لَآ إِلَىٰ هَٰٓؤُلَآءِ وَلَآ إِلَىٰ هَٰٓؤُلَآءِ) لا قيم ولا ثوابت ولا مبادئ ولا ضمير، لا يخدمون عبر مناصبهم ومواقعهم الوطن، بل يخدمون أجندات شخصية وقبلية وجهوية، ويتخذون المواقف تبعا لتحقيق أو عدم تحقيق مصالحهم الشخصية، فيميلون أينما يميل المال والمنصب والجاه.

أعداء الوطن من الداخل يرى أن مصلحة حزبه أو قبيلته أولى من مصالح الوطن

يجمدون مهام وواجبات مناصبهم في مثل هذه المعاناة والمحن والظروف، التي يمر بها الوطن، ما يرتقي إلى مستوى الخيانة والطعن والخذلان للوطن والمواطنيين، الذين يقاتلون أعداء الوطن تجمعوا من كل حدب وصوب.

أعداء الوطن من الداخل يرى أن مصلحة حزبه أو قبيلته أولى من مصالح الوطن، وهم لا يستحقون أصلاً أن يحتلوا منصبا قياديا ضمن وزارة أو مؤسسسة أو هيئة سيادية أو مدرسة أو مستشفى أو بلدية.

أعداء الداخل هم من يتربصون الدوائر بثورة 17 فبراير، وقوات بركان الغضب والجيش الليبي الحقيقي؛ تراهم صامتون وهم يُفشلون ويعرقلون كل ما من شأنه تحقيق الأمن والأمان والسلام و الاستقرار.

أعداء الداخل لا يحبون أن يروا مظاهر الحياة السلمية من دراسة وعمل وإنتاج في طرابلس وفي ليبيا بصفة عامة، يخلقون الأزمات ويعرقلون مسيرة الحياة، لا لشيء، إلا من أجل إلقاء اللوم على ثورة 17 فبراير، متناسين أن الثورات نتائج وليست أسباب.

” إن أرادوا أن يوقفوا الثورات، عليهم أن يوقفوا أسبابها

وعليهم، إن أرادوا أن يوقفوا الثورات، أن يوقفوا أسبابها، أن يوقفوا القمع والتنكيل والفساد المالي والسياسي، والاستيلاء على أملاك الناس، وأرزاقهم وانتهاك الحقوق، وعبادة الفرد، والظلم، وقهر البشر، والاستبداد، وإلا… فسيحصدون ما يزرعون.

أعداء الداخل هم من يتحركون بعقلية انتقامية، ينظرون إلى الوراء، لا يفكرون إلا في الانتقام، بدلاً من التفكير في بناء وطن لنا وللأجيال القادمة، دُفنت عقولهم في الماضي، فهم عاجزون عن النظر إلى المستقبل.

أعداؤنا هم الجبناء المنافقون الذين يعلنون ولاءهم للوطن، ثم يطعنون الوطن دون تردد، كلما لاحت لهم فرصة لذلك، أعداء الوطن من الداخل هم المرجفون في المدينة بل في الوطن، لا يصمتون، ولا ينطقون بخير، يدعمون بكلماتهم الظلم والظالمين.

أعداؤنا هم من يلومون الضحية ويتعاطفون مع الجلاد، أعداؤنا هم من يبرر المذابح والدمار والنزوح والمعاناة التي يتعرض لها أبناء الوطن، ويدّعون -في نفس الوقت- أنهم شركاؤنا في الوطن.

أعداء الداخل هو المسؤول الذي يرى أن مصلحة المجتمع الدولي أولى من مصلحة بلاده، والذي ينحاز إلى من يضمن له مكانا أو مكانة، يستطيع من خلالهما أن يمتص دماء أبناء شعبنا، أعداؤنا هم أعداء معتقداتنا وتقاليدنا وعاداتنا، ومصالح أجيالنا، من الذين يرتبطون بأجندات أخرى،لا يلقون بالا لتاريخ ونخب وشيوخ وأساتذة وعلماء الوطن.

مَن أعداء الوطن مِن الخارج؟

الاتحاد الأوروبي؛ لأنه لا يتحدث إلا عن مصالحه، الهجرة غير الشرعية، الإرهاب، إعادة الإعمار، عقود النفط، بل وحتى عقود صيد بين إيطاليا وميليشيات حفتر، والتي أفشلتها حكومة الوفاق، وشراء توتال أو ضمها لأصول شركة بترولية أخرى، والله أعلم ما جرى وما يجري تحت الطاولة.
لا يتحدثون إلا عن أمن واستقرار أوروبا، وفوق كل ذلك، تم توريط ليبيا في اتفاقية “صوفيا”، التي تفرض علينا إرجاع المهاجرين الذين يصلون إلى حدود المياه الإقليمية إلى ليبيا، إرجاعهم إلى مراكز الاحتجاز، والتي أطلق عليها المهاجرون “جحيم ليبيا” أو “الجحيم الليبي” ، فشوهت سمعتنا كشعب يقاتل من أجل الحرية ومن أجل الإنسان وحقوق الإنسان.

لم تتجاوز ردود أفعاله التصريحات والقلق والبيانات

الاتحاد الأوروبي لا تهمه إلا مصالحه، ولم تتجاوز تصريحاته عن الأزمة الليبية وعن الضحايا الليبيين والمهجّرين الليبيين والمذابح والقصف والدمار والنزوح، لم تتجاوز ردود أفعاله التصريحات والقلق والبيانات.

ليس ذلك فحسب بل إن التنافس بين الأوروبيين عمّق الأزمة الليبية، وعطّل العديد من الفرص لحلها، بسبب تنافسهم وخلافهم وصراعهم على النفوذ السياسي والاقتصادي في ليبيا.

الاتحاد الأوروبي وضع شخصيات مدنية وطنية لها مكانتها وشعبيتها في ليبيا ولها دورها الوطني الإيجابي، ولم تطلق رصاصة واحدة، حتى في الهواء، وضعها الاتحاد الأوروبي على قائمة الشخصيات المعرقلة للحل السياسي أو للاتفاق أو الحلول السلمية، اعتبرها شخصيات جدلية، بينما لم يضع شخصيات دموية دمرت البلاد والعباد، وتسببت في قتل ونزوح ودمار، وفي كل ما تمر به ليبيا من شر.

من أعداء الوطن، بعثة الأمم المتحدة، فهي خصم، فلا نعرف هل هي بعثة للدعم أم للدمار! إحاطاتها وقراراتها وتقاريرها عبارة عن كم هائل من التدليس والمبالغة والتسطيح، ناهيك عن الكيل بمكيالين، كاستنكار مذبحة وغض الطرف عن أخرى، واستنكار تهجير والتغاضي عن تهجير آخر، واستنكار قصف والتغاضي عن قصف غيره.

أضف إلى ذلك الانحياز إلى طرف غير شرعي، لقد تسبب اتفاق الصخيرات –لسنوات- في انقسامات بين الليبيين ومناكفات وصراعات سياسية وخصومات، وبعد أن وُلد الاتفاق، فإذا بالبعثة تنحاز إلى طرف لا يعترف بالصخيرات.

لم يتحدث عن انتهاك حظر الأسلحة، وعن التدخل الأجنبي بعمق وتركيز وتكرار وتفصيل، إلا بعد توقيع الاتفاقية مع تركيا
ليس ذلك فحسب، بل إن سلامة يهتم اهتماما بالغا بالفساد المالي، ويتغاضى عن سفك الدماء، فهو -قاصداً أوغير قاصد- يريد تصوير الصراع كصراع على الثروة، ركز على المال ولم يركز على الدماء ليس ذلك فحسب، بل لم يتحدث عن انتهاك حظر الأسلحة، وعن التدخل الأجنبي بعمق وتركيز وتكرار وتفصيل، إلا بعد توقيع الاتفاقية مع تركيا ويقول إن هذه الاتفاقية ستزيد من حالة اللااستقرار في ليبيا، وكأننا ما شاء الله في قمة الأمن والأمان والاستقرار.

بعثة الأمم المتحدة تحصلت على أكثر من فرصة لحل الأزمة وإحلال الأمن والأمان في ليبيا، فمن ذلك الدستور، حكم المحكمة الدستورية، رفض برلمان طبرق تطبيق المادة الثامنة، انتهاك حظر الأسلحة، انتهاكات حقوق الإنسان، المذابح العلنية والسرية،… إلخ. كل ذلك –وغيره- كان فرصة للبعثة في أن تقدم إحاطات ذات مصداقية تطرح أمام مجلس الأمن ليتخذ إجراءات حاسمة تجاه الأزمة الليبية، ومنها فرض حلول ما، بناء على الفرص التي توفرت للبعثة ولمجلس الأمن، لكن –مرة أخرى – الكيل بمكيالين، والتسطيح، والتضليل، والانحياز، والطمس، وتغييب الحقائق، والمبالغة أحيانا، طغت على ممارسات وخطاب البعثة.

أعداؤنا من الخارج هي دول يفترض أنها شقيقة وجارة، مصر والسودان والإمارات والأردن والسعودية، دول “أو أنظمة” يربطنا بها لغة وجغرافيا وتاريخ وعادات وتقاليد وتراث ومعتقدات، لكنها كانت “حربة مسمومة” انغرست في ظهر الوطن.

فبدلا من أن تستعمل هذه الدول نفوذها في لم الشمل، وإنهاء الصراع في ليبيا، ودعم الشعب الليبي، والتدخل بأخوة وسلمية ودبلوماسية بدلاً من كل ذلك، استعملت نفوذها وأموالها ومواردها وأسلحتها ومصادرها في إجهاض أحلام وطموحات الشعب الليبي في بناء دولة مدنية ديمقراطية راقية.

بدلا من كل ذلك، أرسلوا لنا مدرعاتهم وطائراتهم ودباباتهم، ومرتزقتهم، لقتل أولادنا ودمار مدننا وقرانا وأريافنا، وتدمير مستشفياتنا ومدارسنا ومصانعنا ومؤسساتنا ومطاراتنا، وفوق كل ذلك اتسعت أحواض الدم في بلادنا.

أعداؤك أيها الوطن هم أعداء الربيع العربي، وخصوم الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان

أعداؤك في الخارج أيها الوطن، الجامعة العربية التي كنا نستجديها لتجتمع وتستنكر هجوم المعتوه على طرابلس فأبت.

أبت أن تجتمع بعد أن طلبت منها ليبيا، الدولة صاحبة الشأن أن تجتمع؛ لكنها استجابت بأسرع من البرق وفي نفس اليوم، عندما طلبت منها مصر الاجتماع لاستنكار الاتفاقية الليبية التركية، الجامعة العربية، تحت سيطرة وسلطة وتسلط مصر، الجارة الشقيقة الحنونة استجابت الجامعة لمصر في نفس اليوم وعقدت اجتماعاً طارئا ولم تستجب لليبيا صاحبة الأزمة، فهل يحق لنا أن نعتبرها خصما؟

وكذلك

ماذا قدم لنا مجلس الأمن، والبعثة، والجامعة العربية، ودول الطوق، ودول الجوار، والاتحاد الأوروبي، والدول الإقليمية، والمجتمع الدولي، ماذا قدمت لنا روسيا وفرنسا صاحبتا الفيتو؟ جميعهم بكل قوتهم ونفوذهم وقلقهم وتصريحاتهم ووعودهم، لم يقدموا لنا جميعا غير استمرار الصراع وتعميق الأزمة، والمزيد الدماء والفتن والدمار، وقفوا جميعهم، يتفرجون علينا ونحن نتقاتل لمدة خمس سنوات وأكثر، والأزمة تتعمق تحت سمعهم وبصرهم تتعمق وتتعقد كل يوم.

أعداؤك أيها الوطن، هم أعداء الربيع العربي، وخصومك هم خصوم الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، هم أعداء الوطنيين والوطنية، وأعداء المتمسكين بمعتقداتهم، أعداؤكم هم من يريدون أن يعيدوكم إلى القمع والعبودية والتنكيل والاستعباد.

أعداؤك أيها الوطن، كثيرون، لكنهم كسراب بقيعة يحسبه الضمآن ماء، وتحسبهم جميعا وقلوبهم شتى، مصالحهم متضاربة، لا يجمع بينهم جامع، لا قضية ولا رؤية ولا هدف، أما ثورة 17 فبراير، وقوات بركان الغضب، وكل من يدافع على مدنية الدولة (السبب الأساسي والهدف لقيام ثورة 17 فبراير)، فيجمعنا وطن، وتجمعنا قيم، ومعتقدات، تجمعنا أهداف، وأولى هذه الأهداف الانتصار، ولا شيء -بإذن الله- غير الانتصار وسننتصر بإذن الله، والله من وراء القصد.

د. فتحي الفاضلي
طرابلس- ميدان الشهداء – الثلاثاء – 7 يناير 2020م