لا أستغرب تقلب البشر من مبدأ إلى آخر، بالرغم من قذارة هذا السلوك؛ فقد تكرّر ذلك منذ العصور الغابرة إلى العصور الحاضرة، فالقلوبُ بينَ إصبعينِ من أصابعِ اللهِ يُقلِّبُها كيفَ يشاءُ.
لكن الأغرب من كل ذلك هو الظهور علناً على الهواء في محاولات يائسة سمجة سطحية ركيكة مملة مرتجفة غبيّة، لشرح وتبرير وتشريع الخيانة للمبادئ.
بل الترويج لها بنفس التشدق والأسلوب والمفردات والصوت والحركات والجدية والحماس والمصطلحات، وبنفس منهجية القياس والاستنتاج والإسقاط التي كانوا يدافعون ويروّجون ويشرّعون بها لمبادئهم التي قطّعوها إربا إربا، ومزّقوها بمقصلة الغباء، وطعنوها واغتالوها ودفنوها ورموا بها في أكبر مجمع للقاذورات.
برادة دم… واحتقار لعقول ونفوس وقلوب البشر… واستهتار بأرواح ودماء ونفوس بريئة… ودوس على مشاعر وآلام وأحاسيس وأحزان أمهات وأرامل وأبناء وآباء ويتامى وبنات… وقلة حياء من الطراز الأول… لا يخجلون ولا تتمعر وجوههم ولا يختشون، خاصة أن رائحة دماء الشهداء… ما زالت تفوح في سماء الوطن.
فماذا نقول لهذه الشريحة… غير… ما قيل… إذا ابتليتم فاستتروا… هذا بالنسبة للذنوب… أما بالنسبة لبيع المبادئ أو التخلي عنها أو رميها في المجاري أو القمامة… فأقول لكم… إذا ابتليتم بهذا المرض… فانطمروا في مرابيعكم… في أقفاصكم… في حضائركم… في بيوتكم… في ضيق طموحاتكم وأحلامكم ورغباتكم وأطماعكم… اسجنوا أنفسكم في صناديق تناقضاتكم… تقوقعوا… فذلك أشرف لكم.
فارق كبير، وكبير جداً، بين أن تغير موقفا، أو تغير رأيا، وبين أن تغيّر مبدأ كنت تقاتل بشراسة لترسيخه والترويج له وإقناع الناس به، فإذا بك تقاتل بشراسة للترويج لنقيضه، فقليل من الحياء… وقليل من الخجل… تباً لكم… فالوطن مثخن بالجراح… وليس في حاجة إلى تناقضاتكم وفلسفاتكم وسطحيتكم وقذاراتكم.
قليل من الحياء… فالوطن الذي رفعكم يوماً إلى العلياء، قادر على أن يحطمكم وأن يلفظكم إلى أعمق أعمق أعمق قاع.
فتحي الفاضلي
طرابلس – الثالث من شهر رمضان المبارك