تتواصل الجرائم والانتهاكات التي تقوم بها المليشيات التابعة “لعملية الكرامة” في مدينة بنغازي منذ عام 2014 و حتى هذا اليوم، حيث تتابعت الجرائم التي جاءت بشتى الطرق وبكافة الوسائل، بيد أنها كانت تحت إطار سياسة ممنهجة وعمليات متفق عليها مسبقا، وقد أشارت منظمة التضامن إلى وجود قرائن بأن الجرائم التي ارتكبتها مليشيات “الكرامة” ليست أعمالا فردية قامت بها عناصر غير منضبطة، بل هي تأتي في إطار سياسة ممنهجة.

مجزرة الأبيار من بين هذه الجرائم التي لم تأت عبثا، ولم تكن الأولى ولا الأخيرة بل سبقها جرائم أبشع وتبعها ويلات أفظع، فما حدث لأسرة الكرشيني روّع من لا يهاب، وما أصاب آل صويد أفزع كل آمن، “مفتاح بوالنافرة” المتهم بأنه رئيس جمعية خيرية اشتهرت برعاية الأيتام والفقراء في الجبل الأخضر، هو الآخر اختطف في حادث مشابه لضحايا مجزرة الأبيار وصل إلى أهله خبر أنه بريء، تقول الأسرة قالوا لنا: مفتاح متحفظ عليه فقط في سجن الرجمة، قريباً سيكون بينكم، وقد كان مفتاح حينها مقتولا في السجن. وفي نفس يوم اختطاف بو النافرة، اختطف أنس خطاب الحاسي أيضا يقول أحد ذويه: نقلوه إلى مكان سري، تم التحقيق معه ثم أخبرونا أنه بريء، وأنهم يتحفظون عليه فقط حتى تنتهي أحداث بنغازي، وسوف يطلق سراحه، لنجده ملقيّاً على قارعة الطريق، حيث انتشل الهلال الأحمر جثته بعد ثلاثة أيام من مقتله.

لم تكن هذه الجرائم محلّ غرابة في المناطق الخاضعة لعملية الكرامة بل صارت أمرا عاديا، فالدعوة للعنف والتحريض على القتل كان يملأ الساحة، ففي شاشات التلفاز كان يخرج المدعو محمد امطلل ليذكر أشخاصا بأسمائهم وعائلات بمكان سكنهم، ليحرض على قتلهم وتهجيرهم بلا رحمة، أما في المساجد وعلى منابر الجمعة، فكان التيار المدخلي يدعو لقتل من يصفونهم بالخوارج “قتل عاد وثمود” حسب وصفهم، أما قائدهم الأعلى فكان أكبر المحرضين على القتل غير القانوني وهو الذي يدّعي أنه قام لإقامة دولة القانون.

 

لقد كانت ولا زالت معتقلات وسجون مليشيات الكرامة الظلامية تعد جحيما على الليبيين في مناطق سيطرتهم يؤكد ذلك الناشط الحقوقي طارق لملوم -عضو مؤسسة بلادي الحقوقية المحلية- قائلا: رصدنا سجوناً سرية للكرامة في مناطق شحات والرجمة والمرج والأبيار والزنتان في الغرب الليبي، وآخر حكومي تستغله مليشيا الكرامة، اسمه سجن قرنادة التابع لبلدية شحات  الذي يعد الأكثر سوءاً في الانتهاكات حتى صار البعض يقول، إن الداخل مفقود والخارج مولود”.

لقد أعادت مجزرة الأبيار ذاكرة الليبيين لماض سيئ مع السجون، حيث أثارت هذه المجزرة غبار مجزرة بوسليم إحدى أكبر المجازر الجماعية التي ارتكبها النظام السابق، والتي راح ضحيتها نحو 1200 معتقل، الذي كان سببا رئيسا في ثورة 17 فبراير عام 2011.

ويرى ناشطون أن تكرر مجازر مليشيات الكرامة، التي أعادت ممارسات النظام السابق واستعانت بقيادات ومسؤولين تنفيذيين وعسكريين، يجاهرون بولائهم للنظام السابق ولديهم رغبة في الانتقام والتشفي من كل من شارك في ثورة 17فبراير، يعد سبباً كافياً لانتفاضة ثانية على حكم عسكري قاتل جديد.