تقرير الأمين العام أنطونيوغوتيريس لمجلس الأمن الدولي بشأن الأوضاع في ليبيا، نموذج للعبث بمصائر الشعوب، وعرقلة العدالة، وتضليل الرأي العام، والتواطؤ، وخيانة الأمانة، والانحياز، والعبث بمقدرات وطموحات وأحلام الشعوب.

 

التقرير يفترض أنه يتناول التطورات السياسية والأمنية والاقتصادية في ليبيا، مع تقديم لمحة عامة عن حالة حقوق الإنسان والأوضاع الإنسانية في البلد. قدمه الأمين العام للأمم المتحدة لمجلس الأمن في 26 أغسطس 2019م. جاء التقرير في 21 صفحة (النسخة العربية) وفي 17صفحة (النسخة الإنجليزية). ويجد القارئ الكريم روابط التقرير باللغتين في نهاية هذا العرض.

 

 ولا يخفى على القارئ الكريم أهمية هذه التقارير في صناعة القرارات من جهة، وصناعة الرأي العام من جهة أخرى. الانطباع الذي تتركه هذه التقارير، يؤثر تأثيراً واضحاً على القرار السياسي لأعضاء مجلس الأمن. أو – على أقل تقدير – تتخذ منه بعض الدول ذريعة لتبرير مواقفها وانحيازاتها وقراراتها.

 

صندوق الطماطم الموجه:

ويمكنني تشبيه هذا التقرير، بصندوق الطماطم الموجه، والذي يبدو للمشتري طازجا نظيفاً رائعا من أعلاه، وكلما اقتربنا من قاع الصندوق أدركنا أنه محشو بالطماطم الفاسد. لذلك سنغوص في هذا العرض وباختصار شديد، في التقرير الموجه الذي قدمه لمجلس الأمن شخصية على رأس هيئة عالمية بهذا الحجم (الأمم المتحدة) يتطلع إليها وإلى تقاريرها قادة العالم. لا أتحدث هنا عن سلامة أو ليون أو كوبلر، بل عن السيد أنطونيو غوتيريس الأمين العام للأمم المتحدة (تقلد هذا المنصب في يناير2017م). والمسؤول الأول عن محتوى هذا التقرير، حتى لو لم يشارك في إعداده. 

 

بداية التقرير توضح الانحياز:

لقد بدأ التقرير وللأسف بداية منحازة سيئة فقد أشار إلى ميليشيات حفتر بـ “قوات الجيش الوطني الليبي، بقيادة اللواء خليفة حفتر“، بينما أشار إلى قوات بركان الغضب أو الجيش الليبي التابع للحكومة المعترف بها من قبل الأمم المتحدة، بـ “القوات العاملة تحت قيادة حكومة الوفاق الوطني“. 

 

أشار التقرير إلى ذلك في موقعين منه على الأقل (انظر البند 2). وأشار إلى هذه القوات في موقع آخر بـ “القوات الأخرى” (البند 15).  وأشار التقرير إلى قائد ميليشيات حفتر بـ “اللواء خليفة حفتر”، وإلى ميليشيات حفتر بـ”الجيش الوطني” بالرغم من أنه خليط من عصابات ومرتزقة وميليشيات دموية خارجة عن القانون (الصحوات، كتيبة أولياء الدم، المرتزقة من كل حدب وصوب، الجنجويد، العدالة والمساواة، الأوكرانيين… إلخ).    

 

إلغاء المؤتمر الجامع:

أشار التقرير إلى أن غسان سلامة، قد ألغى الملتقى الوطني بسبب اعتداء حفتر على العاصمة (البند 2). لكن الأمر الغريب أنه ألغاه يوم 9 أبريل (خمسة أيام بعد الاعتداء). وكان الأجدر إلغاء الملتقى عندما بدأ توجه الرتل إلى طرابلس. فما سر الأيام الأربعة التي تأخرها غسان. بالتأكيد كان ينتظر أن يستولي حفتر على طرابلس في 3 أيام كما وعد أو كما أعلن حفتر. كان يعتقد أن حفتر سينجح في السيطرة على طرابلس في غضون  72 ساعة، ليركب غسان بعدها موجة المشهد السياسي الجديد.   

 

يذكر التقرير في البند الرابع أنَّ الملتقى الوطني كان هدفه الآتي: أ- الاتفاق على ميثاق وطني، ب – اعتماد خارطة طريق جديدة،  ج – إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية، د- معالجة الدستور المقترح. وكان الأولى والأصح الاستفتاء على الدستور أو معالجته على أقل تقدير، قبل الخطوات الثلاثة الأخرى. بل إن كلمة “معالجة” تخلق انطباعًا أن الدستور المقترح، يواجه تعقيدات تحتاج إلى معالجة قبل الاستفتاء عليه (دون الإشارة إلى عمق وحجم وطبيعة المعالجة). ما يترك الأمر مفتوحا من ناحية، وما يبرر تقديم الخطوات الثلاثة الأولى (أ، ب، ج) على قضية الدستور، من ناحية أخرى. والأمر في حقيقته، لا يعدو كونه إدخال ليبيا في مرحلة انتقالية جديدة، ليستمر العبث بالوطن.

 

اجتماعات البعثة في تونس:

جاء في التقرير، وبالتحديد في البند الخامس، أنَّ بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، استضافت أو نظمت اجتماعين دبلوماسيين في الحمامات في تونس (أثناء الاعتداء على طرابلس)، وبحضور “المدعوين للمشاركة في المؤتمر الوطني” (لم يذكر التقرير أي مؤتمر وطني، واعتقد أنه يقصد الملتقى الجامع الذي سُمي بعد الاعتداء على طرابلس بـ “المؤتمر الوطني”.

 

 لكنَّ الأمر المهم في هذا السياق، هو أنَّ التقرير أشار إلى استضافة المدعوين لحضور ذلك المؤتمر، والمفترض أن الشخصيات والفئات المستضافة أو المشاركة أو المدعوة ومعايير اختيارهم، يفترض أنها لم تحدد بعد. وذلك كما جاء على لسان مسؤولين في بعثة الأمم المتحدة. ما يدل على أن المؤتمر أو الملتقى موجه وغير جامع ومخرجاته جاهزة.

 

ليس ذلك فحسب، بل يفترض أن سبب الاجتماع في الحمامات هو الاستماع إلى آراء المجتمعين حول سبل إنهاء العنف.  بينما كان يفترض أن البحث عن سبل إيقاف العنف قبل اندلاع العنف، أي أثناء توجه رتل المعتدي إلى طرابلس، أثناء وجود غوتيرس في ليبيا، بل أثناء اجتماعه مع خليفة، إن كان هناك من مصداقية أو نية صادقة في إيقاف العنف، ما يدل على أن المطالبة بإيقاف العنف، أو البحث عن سبل لإيقاف العنف جاءت – هذه المطالب – بعد تيقنهم من فشل المعتدين.   

 

نتائج لم تتوقعها البعثة:

التقرير أشار في البند الثامن، إلى أن الأمم المتحدة، وبالتالي البعثة تعلم أن “سيطرة ما يُسمى بالجيش الوطني على طرابلس” شرط مسبق – وضعه حفتر –  لتشكيل حكومة وحدة وطنية، وإجراء انتخابات وصياغة دستور جديد (ليس الاستفتاء على الدستور المقترح، وليس معالجته)”. ومن الواضح أن هذه الشروط تعتبر انقلابا على حكومة الوفاق. لكن هيئة الأمم المتحدة ومجلس الأمن والبعثة، لم تفعل شيئا، حتى لحماية ما يفترض أنه من مخرجاتها (حكومة الوفاق)، بل انتظرت نتائج الاعتداء على العاصمة. ولكنهم فوجئوا (هم وغيرهم)، بالنتائج غير المتوقعة.  

 

مظاهرات لم تسمع بها إلا البعثة:

أشار التقرير في البند السادس إلى المظاهرات التي نُظمت في طرابلس ومصراتة وبنغازي والزاوية، وذكر التقرير أن هذه المظاهرات تدعو إلى إيقاف الحرب.  وهذا ليس صحيحا، فلم تقم أية مظاهرات في بنغازي أصلاً، ناهيك عن الادعاء أن مظاهرات في بنغازي تدعو إلى إيقاف الحرب على طرابلس. فلا أحد – في بنغازي – يجرؤ على ذلك أصلا. ولكن التقرير يريد أن يُرسخ انطباعا أن المنطقة الشرقية أو أن المناطق التي ترضخ تحت قمع ميليشيات حفتر، تتمتع بحرية إبداء الرأي والتعبير، وتتمتع بـ الأمن والأمان والاستقرار.

 

ومن جانب آخر فإن سقف مطالب المظاهرات التي تنطلق كل أسبوع – تقريبا – في طرابلس ومصراتة والزاوية، أعلى من مجرد إيقاف الحرب. فلم تطالب تلك المظاهرات إلى إيقاف الاعتداء فقط، بل وطالبت أيضاً بطرد بعثة الأمم المتحدة من ليبيا بسبب انحياز البعثة لطرف من أطراف النزاع، وبسبب إحاطات غسان سلامة المضللة المسمومة. التقرير لم يشر إلى أن طرد بعثة الأمم المتحدة كان مطلبا رئيسيا في جميع المظاهرات، بل إن طرد البعثة، كان أحد الأسباب الرئيسة لتنظيم المظاهرات.

 

مبادرة السراج:

أشار التقرير في البند الثامن إلى أن مبادرة السراج ستحقق “اللامركزية”، وأرى أن مجرد ذكر هذا المصطلح – في مثل هذا التقرير – فيه شيء من الإقرار بوجود المركزية سابقا. الأمر الذي يوظفه أحد الأطراف ويستغله ويستخدمه لتبرير عدوانه. كما إنني أعتقد أن المبادرة ليست مبادرة السراج، بل هي ما يسمى بالملتقى الجامع ولكن بواجهة “سراجية”.

 

فشل البعثة بسبب العدوان!!

يقول التقرير في البند الثاني عشر، أنه منذ الهجوم الذي شنه “الجيش الوطني”، تعذر على المجتمع الدولي التوصل إلى اتفاق موحد بشأن ليبيا. وكَأن المجتمع الدولي كان يبذل أقصى جهده – قبل الاعتداء –  لإحلال الأمن والاستقرار والأمان والوصول إلى اتفاق موحد بشأن ليبيا. والواقع أن – ما يسمى – بالمجتمع الدولي، سبب رئيسي في أزمة ليبيا بل في تعميقها.   

 

ازدواجية المعايير:

الانتهاكات التي تتهم بها حكومة الوفاق، أو يشتبه أن حكومة الوفاق وراءها، يتم الإشارة إليها في التقرير بالاسم (أي أن حكومة الوفاق وراءها). وعلى سبيل المثال، أشار التقرير الى “مزاعم”  تقول أن “حكومة الوفاق”  قامت بإعدام 41 من أسرى المقاتلين التابعيين “للجيش الوطني الليبي”، وبعض المدنيين في مدينة غريان في أحدى المستشفيات. وأشار أيضا إلى أن ما أسماه التقرير بـ” الجيش الوطني” قد أسقط طائرة يقودها طيار أجنبي “يقاتل مع حكومة الوفاق”. وهكذا ذُكرت حكومة الوفاق بالاسم بجانب هذه الأحداث (انظر البند 18).

 

يقول التقرير في البند السادس، أن النزاع الدائر حول طرابلس ساهم في زيادة الخلاف الحاد داخل الساحة السياسية التي يطبعها التشتت أصلا. وبالعكس لقد وحد الهجوم على العاصمة، الأطراف المتنازعة وخاصة في المنطقة الغربية، بعكس ما كان المجتمع الدولي يتوقع. لقد راهن حفتر وحلفاؤه على التشتت السياسي في المنطقة الغربية، ولكن النتيجة كانت عكسية. التقرير لا يريد أن يشير إلى تكاتف وتعاضد الجبهة الغربية، لكنه يريد أن يرسخ مفهوم الانقسام السياسي الحاد. ما يؤكد مرة أخرى، أن البعثة لا تعبأ بالإيجابيات ولكنها تضخم السلبيات.

 

كما أشار التقرير في البند التاسع عشر والعشرين والثاني والأربعين، إلى الغارات على مركز الاحتجاز في تاجوراء، ووجود مرتزقة ناشطين في ميدان القتال في طرابلس، والمنطقة المحيطة بها، وتجنيد الأطفال، واستيلاء المقاتلين على الممتلكات في مناطق القتال، ونشر التقرير صورا لأشخاص يرتكبون جرائم حرب، ولكن لم يشر إلى الفاعل أو المتهم بهذه الممارسات.

 

ليس ذلك فحسب، بل لم يشر للفاعل أو المتهم حتى بصيغة خفيفة… مثل “يُشتبه… ” أو “مزاعم…” أو “احتمال…”. خاصة وقد تأكد مما لا يدع مجالاً للشك، أن ميليشيات حفتر، وراء كل هذه الممارسات. أيضا لم يشر إلى حتمية براءة قوات بركان الغضب أو قوات الوفاق من هذه الممارسات، وهو أمر مؤكد. فالإشارة إلى ذلك –  كما يفكر كاتب التقرير ويفكر الذين اعتمدوه – مجرد الإشارة إلى براءة قوات الغضب أو قوات حكومة الوفاق، ستصب في صالح هذه القوات. وتسيء في نظر كاتبه لميليشيات حفتر. الأمر الذي تجنبه التقرير في أكثر من 22 صفحة.

 

لم يشر التقرير إلى إيجابيات قوات بركان الغضب. معاملتهم للأسرى، والسماح لأهاليهم بالاتصال بهم، والسماح لهم بإجراء امتحانات الشهادة الثانوية، واحتفالات عيد الأضحى، وغير ذلك من المعاملات الإنسانية الحضارية الرائعة للأسرى. لم يشر التقرير إلى أي من ذلك.  وكان من البدهي أن يذكر ذلك، ويقارنها بمعاملة الطرف الثاني البشعة، ليس للأسرى فقط، بل وللموتى أيضا. كما لم يشر التقرير إلى الـ 12 أسيرا، الذين قامت ميليشيات حفتر بالتمثيل بجثثهم، تمثيلاً لا ترضاه الضباع والهوام. 

 

اختطاف سرقيوة لا علاقة له بالأمن!!

وفي بند الحديث عن الحالة في المنطقة الشرقية، أشار التقرير إلى حالات اختفاء قسري واغتيالات، ومع ذلك يقول التقرير: إن الحالة في المنطقة الشرقية هادئة نسبيا.  ولم يشر إلى انفجار الهواري، وإلى الخمس جثث التي وجدت مشوهة، وإلى حقائق واقعة السيدة سرقيوة (أشار إليها في سياق لا علاقة له بالأمن والقمع بل أشار إليها في سياق إبعاد المرأة عن المشهد السياسي- البند 57). كما أشار فقط إلى التفجير الذي استهدف بعثة الأمم المتحدة. ولم يشر إلى تفجيرات أخرى، الذي صاغ التقرير، والذي اعتمده، يريد أن يعطي انطباعا بأن الأمن في المنطقة الشرقية مستتب بعكس الحالة الأمنية في المنطقة الغربية. ليس ذلك فحسب، بل ذكر ذلك صراحة قائلا “ونظرا لتدهور البيئة الأمنية في المنطقة الغربية من البلد…” (البند 90). 

 

أشار التقرير في البند السابع والخمسين، إلى اختطاف وإخفاء السيدة سهام سرقيوة، في سياق بارد جداً. يقول التقرير “اختطفت جماعة مسلحة عضوة مجلس النواب المنتخبة السيدة سهام سرقيوة من منزلها في بنغازي، وسط استمرار المخاوف بشأن المحاولات الرامية إلى إسكات النساء وإقصائهن من المؤسسات السياسية” . فأي كذب هذا وتدليس وإخفاء للحقائق وتضليل للشعب والعدالة.

 

لقد أشار إلى أن جماعة مسلحة اختطفت السيدة سرقيوة، لم يقل الجيش الوطني الليبي، ولم يشر إلى حقيقة الحادث وحجمه وتفاصيله وأهميته وأسبابه ودلالته، وتصريحات السيدة سرقيوة على قناة الحدث، وطلبها إيقاف نزيف الدم وإيقاف الهجوم على العاصمة.

 

وذلك لأن الإشارة إلى حقيقة الحادث وإلى الفاعل، يعني وبكل وضوح، أن المنطقة الشرقية، تعاني من وطأة القمع والتنكيل وتكميم الأفواه والاستهتار بالقانون وبمصائر البشر، بل ويدل على الفوضى وغياب القانون، وهذا عكس الصورة التي تحاول بعثة الأمم المتحدة أن تروجها للعالم حول ما تسميه بالجيش الوطني.

 

أشار التقرير إلى أحداث مرزق، لكنه لم يشر إلى دور ميليشيات حفتر في تأجيج الفتن والتسبب في الصراع وتمزيق النسيج الاجتماعي واتساع رقعة الدماء في المنطقة (البند 23). 

 

تبرئة غير مباشرة لحفتر:

ذكر التقرير عمليات إعدامات حدثت “بإجراءات موجزة للمحتجزين من المقاتلين والمدنيين على حد سواء”، وإطلاق حملات ترهيب واسعة النطاق في مدينة درنة، مستهدفة – هذه الحملات – أفراد أسر الأعضاء في قوة حماية درنة، والاعتقال التعسفي، والتشريد القسري للمدنيين، والعثور على 100 جثة في درنة، بما في ذلك نساء وأطفال. لكنه أشار إلى أن الفاعل هم جماعات مسلحة منتسبة للجيش الليبي. ولم يذكر مسؤولية ما يسمى بالجيش الوطني الليبي. في تبرئة غير مباشرة للجيش الوطني. بالإضافة إلى مصطلح “جماعات مسلحة”، بدلاً من “جماعة مسلحة واحدة”، وذلك بهدف خلق المزيد من الغموض (أنظر البند 46).

 

ترويج لميليشيات حفتر:

ذكر التقرير واقعة اعتقال قوات الأمن لاثنين من عناصر الجيش الوطني يشتبه في تورطهما في اغتيال أحد ضباط الشرطة. كاتب التقرير يلمح هنا إلى خضوع أفراد القوات المسلحة للقانون. فلا أحد فوق القانون. أي يفترض أن اعتقال عناصر من الجيش الوطني، يدل على احترام القانون والرضوخ إلي بنوده، ويدل – أيضا – على الضبط والربط. التقرير يريد أن يقول إن أفراد الجيش المزعوم، ليسوا فوق القانون. ولكننا نعلم أن الواقع عكس ذلك تماما، فانتهاكاتهم للقانون المحلي والدولي وممارساتهم لجرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية، واضحة وموثقة (أنظر البند 26).      

 

ازدياد نشاط تنظيم الدولة:

ذكر التقرير أن نشاط تنظيم الدولة في ليبيا قد زاد بعد هجوم حفتر على طرابلس. التقرير يريد أن يقول إن تنظيم الدولة استغل الفراغ الذي تركه جيش حفتر في الجنوب فكثف من نشاطاته في تلك المنطقة، في محاولة للإيحاء بأن تنظيم الدولة وما يسمى بالجيش الوطني عدوان لدودان (البند 28).

 

ذكر التقرير، على سبيل المثال، أن عدد الهجمات التي ينفذها تنظيم الدولة، في الجنوب الليبي، قد سجلت زيادة  كبيرة، وأن تنظيم الدولة قام بهجمات ضد معسكر للجيش الوطني في سبها، ونقطة تفتيش عسكرية في زلة، وصدام بين تنظيم الدولة ووحدات محلية تتبع الجيش في الهروج.

 

لم يشر التقرير إلى التعاون أو بالأحرى التحالف بين تنظيم الدولة وميليشيات حفتر في درنة وبنغازي، وواقعة تهريب عناصر تنظيم الدولة من درنة وبنغازي ومشاركة الذين تم تهريبهم في الحرب ضد البنيان المرصوص في سرت، وما نتج عن ذلك من إطالة أمد الحرب ضد تنظيم الدولة، واستشهاد المئات من قوات البنيان المرصوص في هذه الحرب، والدمار الهائل الذي طال المنطقة التي اندلعت فيها المعارك.    

 

دور المرأة في ليبيا الذي لا تراه البعثة:

وتحت عنوان تمكين المرأة، أشار التقرير إلى استعراض القوانين التي تؤثر على المساواة بين الجنسين والحماية من العنف الجنساني (البند 68). كما يذكر التقرير أن هيئة الأمم المتحدة للمرأة، دعت نساء ليبيات إلى حلقة عمل بشأن المساواة بين الجنسين والتطرف العنيف (البند 69). ولا أدري ما هي المشكلة التي تعاني منها بعثة الأمم المتحدة بخصوص المرأة في ليبيا. فمنذ الخمسينات وإلى يومنا هذا، والمرأة الليبية جزء من المجتمع الليبي في جميع المجالات (صحفيات ومذيعات ومحاميات ومعلمات ومربيات وممرضات وطبيبات وموظفات وصاحبات ومديرات أعمال، وداعيات، وعضوات هيئة تدريس في الجامعات، وكاتبات وشاعرات وأديبات وناشطات (اجتماعياً وسياسياً)، ومناضلات، ومجالات عديدة أخرى، بالإضافة إلى أقدس رسالة (أمهات).

 

كما إن مشاركتها في هذه المرحلة، في الجانب السياسي وفي صناعة القرار واضحة جدا، فهن أعضاء في المؤتمر الوطني، ومجلس الدولة، والبرلمان، ووزراء، وغير ذلك من مناصب ومسؤوليات حساسة.

 

فما هي مجالات المساواة أو عدم المساواة التي تتحدث عنها بعثة الأمم المتحدة، ليلاً ونهاراً. وبكلمة أخرى، ما هي المجالات الأخرى التي ترغب بعثة الأمم المتحدة في أن تساوي فيها الرجل والمرأة في ليبيا!. ليس ذلك فحسب بل إن ردود فعل البعثة ومتابعتها لقضية السيدة سهام سرقيوة، تدل على نقيض ما تدعو إليه البعثة من اهتمام بالمرأة. بل تدل على إهمال واضح وكذب وعدم مبالاة، بما في ذلك ما أورده هذا التقرير عن السيدة سرقيوة، كما ذكرنا أعلاه.        

 

تسوية بين المعتدي بالمعتدى عليه:

يقول التقرير “هناك مزاعم عن تورط جميع الأطراف”،  للأسف ذكر التقرير ذلك في سياق الحديث عن “شن الهجمات العشوائية على الأحياء السكنية.”، وكلنا يعلم بأن المعتدين على طرابلس هم من تورطوا في ذلك. لكن التقرير لم يتفضل بذكر ذلك بل أشار، كما ذكرنا، إلى تورط جميع الأطراف (أنظر البند 42) وفي أكثر من موقع في التقرير. 

 

ليس ذلك فحسب بل كرر نفس الرأي في التوصيات، حيث يقول غوتيرس:” ويساورني القلق إزاء وجود المقاتلين الأجانب والمرتزقة الذين تستخدمهم أطراف النزاع في ليبيا” (البند 98). ويقول أيضا إنني أُذكر جميع الأطراف بأن الهجمات العشوائية محظورة حظرا تاما، بموجب القانون الدولي الإنساني”. ويقول أيضا أُذكر جميع الأطراف بالتزاماتهم فيما يتعلق بتجنب استهداف المدنيين وكذلك العاملين في المجال الطبي والأصول الطبية (البند 93).

 

ومن منا لا يعرف من وراء هذه الجرائم المذكورة، وما الشهيد الطبيب أيمن هرامة وقصف سيارات الإسعاف والضحايا من العاملين في القطاع الصحي التابع لقوات لبركان الغضب عنا ببعيد. 

 

وقود القذائف:

وفي البند الخامس والستين يتحدث التقرير عن قرب الانتهاء من إنشاء مرفق قرب مدينة غريان لتخزين وقود القذائف بالقرب من غريان، استعدادا للتخلص في المستقبل من وقود السائل الداسر العالي السمية.

والسؤال من أين أتى هذا الوقود؟ ومن قرر تحديد الموقع؟ وبعلم من؟ وما خطر تخزين مثل هذه المواد على الإنسان والمياه الجوفية والبيئة بصفة عامة؟ في حالة وجود تسرب أو محاولة استيلاء أو اقتحام أو تخريب مستقبلا. 

 

70 موظفاً للبعثة يحرسهم 230 جندياً:

لفت نظري أيضا الحديث عن عدد الموظفين في البعثة، التقرير يقول: أعيد نقل مقر البعثة من تونس العاصمة إلى طرابلس، وأعيد ندب موظفيها الدوليين الذين يشغلون مناصب في العاصمة الليبية، واحتفظ في تونس العاصمة بمكتب صغير  يضم 23 من الموظفين الدوليين (البند 90). مكتب صغير و23 موظفا دوليا.

 

ويواصل التقرير: إنه نظراً لتدهور البيئة الأمنية في المنطقة الغربية من البلد، في أعقاب الهجوم الذي شن على طرابلس، تم تخفيض مستوى وجود الموظفين المدنيين الدوليين في طرابلس مؤقتا إلى مستوى 70 موظفا (البند 90).  70 في طرابلس و 23 في تونس في حالة التخفيض،  والله أعلم كم العدد الكلي للموظفين في  أنحاء ليبيا. أضف إلى ذلك 230 جنديا للأمن والحراسات من نيبال، تنقلهم طائرات مؤجرة من نيبال إلى تونس، وتنقلهم من تونس إلى ليبيا طائرات تتبع الأمم المتحدة.

 

 السؤال الذي يفرض نفسه الآن: كم عدد موظفي البعثة في ليبيا؟ من يدفع رواتبهم ومصاريفهم وتنقلاتهم وتكاليفهم؟  فإن كانت ليبيا هي من يدفع فمن يقرر سقف الرواتب، وطريقة وعُملة الدفع؟ 

 

 

وأخيرا…

نحن في حاجة إلى هيئة أو مكتب محاسبة ومراقبة ومتابعة ومراجعة لنشاطات بعثة الأمم المتحدة في ليبيا (وفي جميع الدول).  هيئة أو مكتب مستقل عن البعثة، يتبع الدولة الليبية.  فهل يوجد مراقب ومراجع ومتابع ومحاسب ومؤكد لما تنشره وتعلنه وتدعيه بعثة الأمم المتحدة في ليبيا من نشاطات وأعمال (أبحاث، وأرقام، وزيارات ميدانية، ومؤتمرات، ولقاءات، وتقارير، ودراسات، وإحصائيات… إلخ).

 

 لابد من مراسلة الأمين العام للأمم المتحدة بخصوص هذا التقرير وغيره من الإحاطات والتقارير. ولابد من محاسبة المعدين لهذا التقرير، وكذلك الذين اعتمدوه، عبر الاستعانة بجهاز القضاء المحلي والدولي. وكذلك التواصل مع أعضاء مجلس الأمن، بل وجميع الدول، بعيداً عن البعثة. حفظ الله ليبيا… حفظ الله ليبيا… حفظ الله ليبيا… والله من وراء القصد.

 

د. فتحي الفاضلي  –  طرابلس- 21-9-2019م.

 

رابط التقرير كاملا باللغة العربية:

https://unsmil.unmissions.org/sites/default/files/sg_report_on_unsmil_s_2019_682a.pdf

 

رابط التقرير باللغة الإنجليزية:

https://unsmil.unmissions.org/sites/default/files/sg_report_on_unsmil_s_2019_628e.pdf

مشاركة