لم يترك القذافي إرثا يخلفه في بلده، فلا نظام يسار على نهجه، ولا مؤسسات من بعده، ولا جيش أو شرطة قائمة، ولا حتى لبنات أساس تُبنى عليها دولة، وإنما ترك إرثا للطغاة الأولى أن يعتبروا به.

عمل العقيد لمدة تزيد عن أربعة عقود على ترسيخ حكمه، استبدل فيها الدستور الليبي لعام 1951 بقوانين استنادا إلى أفكاره الشاذة، ونشرها في كتابه الذي كاد أن يجعله بمنزلة الكتب المقدسة. أسس نظاما جديدا للبلاد سماه بالجماهيرية في عام 1977، ثم أكمل المسرحية فاستقال من منصبه كرئيس وأمين عام لحزب المؤتمر الشعبي العام، ليدعي بعدها أن السلطة بيد الشعب وأنه لا يريد الحكم، وأما ما لم يخفَ على أحد؛ أنه بهذه المنظومة كان يعمل على دعم وتقوية كرسيّه …

فلا أحد يغرد خارج سرب القذافي، ولا رأي يشاد إلا ما كان فيه تمجيد وتعظيم للقائد !

أسس القذافي مسميات عديدة ومؤسسات لا حصر لها، خوفا على منصبه، وحرصا على وجوده، كان منها الأمن الداخلي والخارجي، اللجان الثورية، الحرس الثوري، والكتائب الأمنية التي قادها أبناؤه، وغيرها الكثير، كان في المقابل تعطيل الوزارات وإخفاء دور المجتمع المدني، أنشأ مؤتمرات ليختار الشعب من يحكهم وما مصيرهم، وكل الحضور من حاشيته، فلا أحد يغرد خارج سرب القذافي، ولا رأي يشاد إلا ما كان فيه تمجيد وتعظيم للقائد !

كانت الاغتيالات والإعدامات سمة معلومة في منظومته، فالإعدامات في الميادين، والسجون في كل مكان، اغتال المعارضين خارج ليبيا وداخلها، حتى عم الخوف، وساد الصمت، فقُضي على حرية الرأي، وأميتت العدالة، واستُئصل القانون !

لم يكتف القائد بذا، بل ابتعد كثيرا عن التوقعات، كان يحسب كل صيحة ضده وتعمل على الخلاص منه، بدأ في أهم مرتكزات البلاد، النظام التعليمي، الصحي، الخدمات العامة، كل صغيرة وكبيرة في ليبيا تدخل فيها وعمل على تحطيمها إن وجدها خرجت عن مساره، أو هددت حكمه، كان يخاف حتى من طلبة الجامعات فنصب لهم المشانق! تدخل القذافي في ديانة ليبيا الإسلام، وتكلم في القرآن، واستخدم الشعائر الدينية لدعم آرائه السياسية، وصل به الحال لأن أرسل وفد الحجيج الليبي إلى أرض الحرمين بقافلة من البعير ! توجه إلى المساجد وسجن المحافظين على الصلوات وضيق على كل متمسك بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم …

 

لقد دقّت ساعة الحق يا قذافي، ودقت دقائق الانتصار، واليوم ننجيك ببدنك لتكون للطغاة آية.

ورغم كل هذا؛ ومع اندلاع ثورة شعب عليه، ، ضُرب موكبه يوم 20 من أكتوبر، وفرّ إلى حفرة لمياه الصرف – أجلكم الله- مختبأ فيها، ليجيئ الثوار بعدها، ويروه مهانا ذليلا، مستجديا “ماذا تريدون يا أبنائي” لقد دقّت ساعة الحق يا قذافي، ودقت دقائق الانتصار، واليوم ننجيك ببدنك لتكون للطغاة آية.

لقد كان مصير القذافي عبرة، في الوقت الذي يسعى فيه الطغاة، بمثل سبل القذافي لتمجيد أشخاصهم

لقد كان مصير القذافي عبرة، في الوقت الذي يسعى فيه الطغاة، بمثل سبل القذافي لتمجيد أشخاصهم، ورفع أسمائهم، بدعم أجنبي وانتصارات وهمية، لقد عمل القذافي على طول 42 سنة على ترسيخ حكمه وما نفعه ذلك …

كان في مصيره رسالة لأتباع الطغاة أيضا، أن أنقذوا أنفسكم فإن الطغاة إلى زوال، وأن مآلهم إلى مزابل التاريخ، فالشعوب مهما ضيق عليها العسكر وأخافتها السياط، ستنتفض مقتلعة كل طاغٍ، ولن تكون ليبيا إلا حرة مستقلة وإن طال النضال …