جرت العادة أن يساوي الاتحاد الأوروبي والإدارة الأمريكية وبعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا وأغلب المجتمع الدولي بين التدخل الروسي والتدخل التركي في ليبيا، بل وتفعل بعض الأطراف الليبية ذلك أيضا، فيطلب من الطرفين (روسيا وتركيا) أو من قوات الطرفين ضرورة مغادرة ليبيا؛ لكن هناك فوارق استراتيجية عميقة بين تدخل الدولتين، أهمها:

  • روسيا لا تمانع في تقسيم ليبيا، بل ربما تشجعه وتدفع إليه، فهي تطمع في السيطرة على ميناء طبرق ومطار بنينه وقاعدة الجفرة، ولا يهمها أن تنقسم أو “تتفتفت” ليبيا إلى ألف قطعة وقطعة، بينما تركيا تقف وبقوة ضد تقسيم ليبيا لأسباب اقتصادية واستراتيجية.
  • الوجود الروسي على شواطئ البحر الأبيض المتوسط يهدد الأمن القومي الأوروبي والأمن القومي للغرب بصفة عامة وأمريكا بصفة خاصة، بينما الوجود التركي في البحر الأبيض المتوسط لا يهدد الأمن القومي الأوروبي، وبالتالي لا يهدد الأمن القومي للغرب بصفة عامة، بما في ذلك أمريكا، أضف إلى ذلك أن تركيا عضو في حلف الناتو، والتنافس بين الدول الأوروبية وتركيا هو في عمومه تنافس اقتصادي وليس أمني.
  • ظروف وملابسات وتوقيت تدخل روسيا في ليبيا تختلف عن ظروف وملابسات وتوقيت التدخل التركي، التدخل التركي أنقذ ليبيا من أن يسيطر عليها حكم استبدادي جديد عبر غرس سيسي آخر في ليبيا، التدخل الروسي لا يمانع في ترسيخ حكم ديكتاتوري استبدادي قمعي جديد في ليبيا.
  • التدخل التركي جاء عبر اتفاقية شرعية علنية قانونية بينما التدخل الروسي جاء على ظهر حاملة طائرات بين أدميرال في البحرية الروسية وعسكري ليبي ليس من صلاحيته إبرام اتفاقيات أو توقيع عقود أو اتفاقيات أو تفاهمات مع دول أجنبية.
  • تشترك تركيا مع نصف دول العالم بما في ذلك الإمارات وفرنسا والسعودية ومصر والأردن وألمانيا وروسيا وبريطانيا وإيطاليا واليونان وتشاد والسودان والصين وغيرهم في الحصول على مصالح اقتصادية في ليبيا أو في شرق البحر الأبيض المتوسط، وبالتالي فإنّ حجة الأطماع أو المصالح الاقتصادية تنطبق على الجميع، ولا يجب أن تتهم بها تركيا فقط.
  • التعاون بين الولايات المتحدة الأمريكية فيما يخص الأمن القومي الأوروبي وارد ومحتمل بين تركيا والولايات المتحدة الأمريكية، بينما يعتبر هذا الأمر بين روسيا وأمريكا من سابع المستحيلات، أي التعاون بين أمريكا وروسيا حول أمن أوروبا مع بقاء روسيا على شواطئ البحر الأبيض المتوسط.
  • التعاون بين أمريكا وتركيا في ترسيخ نظام مدني ديمقراطي في ليبيا أمر وارد، بينما لا يمكن أن يتم ذلك بين روسيا وأمريكا، وذلك لرفض روسيا لذلك.
  • ممارسات الأتراك في ليبيا لا تتضمن مذبحة واحدة أو جريمة حرب واحدة، بينما ممارسات حلفاء روسيا في ليبيا ممن يسمون بالجيش الوطني والكانيات والمرتزقة الروس في مجملها مذابح ومجازر وألغام وقصف للأحياء المدنية وجرائم حرب (مقابر ترهونة، مذبحة الأبيار، مذبحة مرزق، مذبحة قنفودة ضد النساء والفتيات والأطفال ممن لم يحملن سلاحا، قصف مركز احتجاز اللاجئين في تاجوراء، مذبحة الكلية العسكرية بطرابلس، جرائم الحرب في درنة، اغتيال النساء مثل حنان وسهام وغيرهن، الاغتيالات العلنية على مرأى ومسمع العالم، حرق الجثث، نبش القبور، قصف المرافق الصحية والأحياء المدنية، تلغيم بيوت المدنيين الآمنيين الذين لم يسهموا في الحروب وغير ذلك من جرائم الحرب).

وعلى الرغم من إيماني بأن ما سردته قد لا يغيب عن الدول والأطراف التي ذكرتها، إلا أنني أتمنى أن تأخذ الإدارة الأمريكية الجديدة والاتحاد الأوروبي وصناع القرار في ليبيا الفوارق الرئيسية بين التدخل التركي والتدخل الروسي في الاعتبار، ولنا للموضوع عودة.

د. فتحي الفاضلي

طرابلس-2-2-2021م