لاتزال الهيئة العامة للأوقاف والمنابر التابعة لها بعيدة كل البعد عن أحداث معركة طرابلس اللهم إلا بعض المنابر أو المساجد التي لا تتجاوز عدد اليد الواحدة، في عاصمة تتجاوز المساجد فيها أكثر من خمسمائة مسجد.
منذ بداية هجوم حفتر الغادر على طرابلس دفع أبناء طرابلس ومن ساندهم من المدن الأخرى الفاتورة غالية، حيث كان الثمن دماء وأشلاء ونزوحا وخسارة للممتلكات وتعطيل المدارس والجامعات.
ورغم هذه المعاناة الكبيرة لجزء أصيل من مكون مدينة طرابلس فإنك لو كنت من خارج البلاد و حضرت خطب الجمعة في كثير من مساجد هذه المدينة فإنك ستتعجب أيَّما عجب من تلك الخطب و مواضيعها البعيدة كل البعد عن المدينة التي تتصدر أخبار الحرب فيها كبريات الصحف الأجنبية والعربية.
إذا استمعت لخطب كثير من مساجد طرابلس وكأن الخطيب قد نزل على المدينة من كوكب آخر ليخطب الجمعة ويعود من حيث أتى.
فلا حديث عن المعارك ولا الضحايا ولا حتى عن معاناة الناس من النزوح وغلاء الإيجارات و كأنه ليس جزءا أصيلا من هذا المجتمع المسلم الذي قال عنه صلى الله عليه وسلم “مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى حديث النعمان بن بشير- أخرجه مسلم
 
ما يطلبه المستمعون:
لقد نأى كثير من الخطباء بخطبهم عن السياسة وعن أوضاع البلاد؛ خوفا وهربا من الانتقاد، والعداوات مع رواد المسجد، فتجد الخطيب في وادٍ ووضع الناس والبلاد في وادٍ آخر.
فتجده يتخير المواضيع التي لا تسبب له حرجا مع أحد من الناس كصلة الأرحام أو خلق المسلم أو تربية الأبناء أو غيرها ومع عظم هذه المواضيع وقيمتها الاجتماعية فإنَّ الخطيب يسردها سردا دونما أن يلامس بها الواقع المأزوم الذي يصل أثره على الخطيب نفسه.
 
التيار المدخلي والنظام السابق:
لاشك بأن التيار المدخلي الذي يسيطر على عديد المنابر في طرابلس هو من سبب في تحييد المنابر عن معركة طرابلس و جعل الناس في منأى عن هذه المعركة التي تدار من دول كبرى تهدف لتركيع هذا الشعب ورده لحظيرة الاستبداد والحكم الشمولي رغم كل هذه التضحيات.
ولن تتعجب كثيرا عندما تعلم أن العديد من الخطباء إما من المداخلة، أو من المؤيدين للنظام السابق ولا غَرْوَ أن يصمتوا عن محاولة حفتر اجتياح طرابلس فلولا خوفهم من قوات البركان لرأيت هذه المنابر تنفجر خطبا عصماء تأييدا لمشيرهم وما يسمونه بالجيش العربي الليبي
 
ثمن الصدع بالحق:
في مقابل هؤلاء الخطباء البلداء نجد بعض الخطباء الذين أخذوا بعهد الله عليهم وبينوا للناس ودعموا القوات المدافعة عن العاصمة بخطبهم الحماسية و لهج دعائهم وقنوتهم.
تجد هؤلاء الثلة الطيبة المباركة تعاني من قطيعة حقيقية من رواد مساجدها و من محاولة التضييق عليها اجتماعيا بسبب موقفهم السياسي الذي يمليه عليهم دينهم وأخلاقهم.
لاشك أن حكومة الوفاق قادرة على تطويع المنابر المتمردة لصالحها لو كان يهمها ذلك، لكنَّ حكومة الوفاق لم تتخذ موقفا من الأوقاف التي تعتبر غائبة تماما عن أي دعم لمعركة يقدم فيها أهل طرابلس فلذات أكبادهم دفاعا عن مدينتهم المحروسة طرابلس.