أشاهد صورا ومقاطع فيديو، تَبُثُّها فضائياتنا، التي تدعم الدولة المدنية (منها التناصح، الرسمية، ليبيا الأحرار، بانوراما… ) تُظهر أعداء الوطن وأعداء الثورة وأعداء الدولة المدنية وأعداء بركان الغضب، كقادة عالميين وزعماء، وأصحاب نفوذ سياسي وقوة، يستقبلهم زعماء العالم بحفاوة وابتسامات واحتضان وترحيب ومصافحة.

وصورا ومقاطع أخرى ببدلات مدنية تُظهرهم في حالة من الأناقة، وبدلات عسكرية تُظهرهم في صورة القادة العسكريين المخضرمين، وغيرها تُظهرهم وكأنهم يقودون المعارك، ينظرون ويتدارسون الخرائط ويتخابرون مع القادة الميدانيين ويلقون الأوامر، وهم محاطون بنخبة من العسكريين الذين يستمعون إلى زعيمهم باهتمام.

صور ومقاطع تضيف عليهم هيبة وقوة ونفوذ، الخصم مستعد أن يدفع ملايين الدولارات مقابل أن تبث أي فضائية أو منبر إعلامي على النت مثل هذه الصور والمقاطع، بل إنهم يتعاقدون بالملايين مع جماعات وشركات ضغط وتأثير من أجل تحسين مظهرهم صوتا وصورة.

المنابر الإعلامية للطرف الآخر:

ويبدو واضحا أن المنابر الإعلامية للطرف الآخر، تدرك تأثير ذلك وخطورته على صناعة الرأي العام، وبالتالي تأثير ذلك على المواقف العملية للشعوب، فيظهرون خصومهم في أسوء حالاتهم، سواء في المظهر أو اللباس أو التصريحات؛ بهدف تشويه الخصم، والحقيقة أنهم يديرون هذا الأمر بمهنية إعلامية عالية، هم يدركون أساسيات الإعلام في زمن الحرب.

وعلينا أن ندرك أن أغلب الناس لا يستمعون بالكامل ولا ينتبهون في أغلب الأحوال إلى الحديث أو السرد المصاحب للصور أو المقاطع، فذلك يتطلب الانتباه والمتابعة والتركيز وربما الوقت أيضا، لكنهم يحتاجون إلى أقل من ثانية لمشاهدة صورة، وأقل من دقيقة لمشاهدة مقطع مصور، وتأثير هذه الثواني أقوى مما نتصور.

فعلى سبيل المثال، كيف سنقنع المُشاهِد أن الرجل الذي يرتدي بدلة أنيقة، ويبتسم بهدوء، ويتقدم بخطوات واثقة، ويحتضن رؤساء دول نووية، كيف تقنع المشاهد أنه إرهابي ومنبوذ ومجرم حرب وعميل وووو.
أو كيف تقنعه أن الرجل الذي يرتدي البدلات العسكرية الرسمية ويظهر بهندام عسكري منظم يتبع البروتوكلات العسكرية، كيف تقنع المشاهد أنه يقود ميليشيات ومجرمي حرب ومرتزقة.

ليس ذلك فحسب، بل إن الأخطر إعلاميا، أنك ستدفع المشاهد –دون قصد- إلى الانحياز لخصمك أو على الأقل البقاء في ساحة الحياد، لأنك (وبكل صراحة) أقنعته بأهمية ونفوذ وهيبة خصمك، بل إن الطرف الآخر كسب أو أقنع أغلب داعميه عبر بث هذه المظاهر.

إعلام الحرب غير إعلام السلم:

لا بد أن يتناسب السرد وتتناسب الصور والمقاطع مع هدفك تجاه خصمك، وإلا فإنك تُصبح كالنخلة المعوجة، تعطي ثمارها لغير أهلها، أو كالنهر يعطي خيراته لغيره، ولا يتوقف في نفس الوقت عن نحت وتدمير ضفتيه، نعم للمصداقية ونعم لإظهار الحقائق وعدم تضليل المشاهد، الأمر الذي يميز قنواتنا عن قنوات الخصم (والحمد لله)، ولكن هناك ألف وسيلة ووسيلة لتناول الكلمة الصادقة والخبر الصادق والحقائق بصفة عامة، ولكن دون أن تكون في خدمة خصمك، والله من وراء القصد.

د. فتحي الفاضلي
طرابلس- 17-1-2020