قلت بل ألق أنت يا مولاي… قال:

لماذا تدعو إلى الثورة وحدائق السلطان تعبق برائحة الورد والريحان؟ ولماذا تدعو إلى الثورة وقصور السلطان تعجّ بالنساء والجواري الحسان؟ ولماذا تدعو إلى الثورة والبسمة على شفاه العبيد وما ملكت اليمين والغلمان؟ بل لماذا تدعو إلى الثورة والخبز في كل مكان ومعه الكلأ والماء؟

قلت: المسلمون في عهدكم يا مولاي:

ديارهم تعبق برائحة الدم… حياتهم محاصرة بالظلم… قلوبهم معبّأة بالحزن… نساؤهم تُغتصب… ورجالهم ضحايا… أمهاتهم ثكالى… وأطفالهم يتامى… أرواحهم رخيصة… ودماؤهم مستباحة… بلدانهم محاصرة… وعقائدهم مهانة… وحرماتهم مداسة… أموالهم تَسَوُّلٌ… وطعامهم صدقاتٌ… أعيادهم أحزان… وأفراحهم آلام… وعالِمُهم فوق ذلك مشبوه… وتَقيُّهم مسجون… وشيخهم مغبون.

والمسلم يا مولاي:

غريب في وطنه… لاجئ في ديار الغرباء… معذّب مرة… وضحيّة مرة… وقربان ألف مرّة ومرّة. حرّيته مغتالة… وكرامته مهانة… هويّته مطموسة… وإرادته مسلوبة… جيوشه مهزومة… وأرضه مغصوبة… أوطانه مقهورة… ودياره مغلوبة… ثرواته مُهدَرة… وخيراته منهوبة… حقوقه مهضومة… وأمواله مسروقة.

والمسلم… يا مولاي:

حكّامه طغاة… وقادته عملاء… أمراؤه فساق… وسادته عبيد… إعلامه دجل… وإذاعاته نعيق… صحافته رياء… ومجلّاته خليط… ثقافته تغريب… وفكره تقليد… مناهجه تشويه… وتعليمه تضليل.

والمسلم… في عرفكم… يا مولاي:

متّهم قبل أن يُولد… ومُدان بعد أن يُولد… ومُطارَد بعد أن يموت… أصوله تطرف… وإيمانه تمرّد… جهاده إرهاب… وخشوعه نفاق… كلماته فتنة وتحريض… همساته ثورة وتأليب… أفكاره زندقة… وآراؤه هرطقة… شعائره طقوس… وعبادته تملّق… لباسه تخلّف… ومظهره تزلّف… شرائعه جمود… وقوانينه قيود… عاداته تأخّر… وتقاليده تزمّت… أشعاره تسفيه… وأناشيده تحريض.. ابتهالاته شعوذة… وأدعيته سفسطة… إخلاصه حقد… وحرصه حسد… طموحه أوهام… وأحلامه أطماع… شجاعته تهوّر… وإقدامه جنون… عزّته تكبر… وتواضعه تذلّل… زهده رياء… وعزلته جفاء… نقده سبّ… ومدحه استجداء.

والمسلم:

ألف راية وراية فوق بلاده يرفعون ويرفعون… وألف ألف ملك وأمير فوق رأسه يأمرون وينهون… مع ألف ألف قاض وقاض بما تهمس يا مولاي ينطقون… ثم ألف ألف سيّاف وجلّاد بأمركم يأتمرون.

فالمسلم بفضلكم… مُحاط من بين يديه ومِن خلفه ومِن فوقه ومِن أسفل منه وعن يمينه وعن شماله، بطبقات من الظلم بعضها فوق بعض.

ولأن المسلم في محكم التنزيل من الأحرار… والظلم في عرف الأحرار وقود للثورة… فقد حُقّت بعد إذن مولانا الثورة.

فبُهِتت البطانة… وبُهت مولانا… وقال:

إنّا لنراه من السفهاء… فاقطعوا يديه ورجليه من خلاف، ثم اجلدوه واصلبوه وارجموه وإن شئتم بعد ذلك فاقتلوه.

قلت: فقد حقت – بعد إذن مولانا – الثورة

فتحي الفاضلي

كُتبت في 17 مايو 2004م، ونُشرت أيضا بعنوان “حوار ليّن حول الظلم والثورة والدم.”

مشاركة