فزئير الماضي ما كان إلا ريحاً خرجت في غفلة دون استئذان.

لسان حال ابن زايد وحلفاؤه وبطانته

بعد أرتال الكراديس المرعبة الملثمة، والجعجعة، وأزيز الطائرات، وضجيج الدبابات، والفقه والفلسفة والإلهام، وفتل الشوارب، وممارسة التفرس في عباد الله بحدة، والاستعراضات، بعد كل ذلك، تحول زئير أولياء أمورنا إلى مواء خفيف رقيق لطيف، فأولوا الأمر من صقور العرب وصناديدهم الملهمين منهم والمعلمين والأميين يهمسون سرا وعلانية:

اطمئني يا أمريكا فمن أجلك

سنطارد ابن تيمية، ونحاكم ابن القيم، ونلغي تفاسير ابن كثير، ونعدل الصحاح، ونعيد تصنيف التابعين وتابعي التابعين والصحابة الكرام، سنلعن ابن خلدون، ونكرم رشدي، ونعيد للحلاّج حقوقه، ونلغي من كتب التاريخ صلاحا، نحن سنحرق ما خط “دراويش” الإسلام: الشافعي ومالك وأحمد وأبو حنيفة النعمان، سنراجع كل شيء، حتى استشهاد سمية، بل سنراجع فتاوى الختان، سنلغي كلمة “تُرهبون” من القرآن.

نحن يا أمريكا جادون...

فسنجعل بين المسجد والمسجد مرقصا، وسيكون بين المرقص والمرقص خمارة، سنحلق اللحى، وننزع الحجاب، وسترتدي بناتنا ما لذ وطاب.

سنعيد النظر في كل شيء، سنعيد النظر في الأرض والعرض، في التاريخ، في تعريف الرجولة، في القدس، في المدينة، في الخلافة، سنعيد النظر في تجارة الأجساد، فنصوص ديننا تزدحم، ولله الحمد، بالرخص والمصالح والضرورة وفتاوى الاستحسان.

سنصلي الظهر إن شئت يا أمريكا ركعتين، ونتطوع لبناء ألف ألف هيكل وهيكل، سنعدل قصة موسى فنلغي قوم كنعان.

سنلغي النوافل والأذان، ونجعل الصيام حراما، سنحج إلى أطلال الرومان، سنراجع كل شيء، حتى استشهاد سمية، بل سنراجع حتى فتاوى الختان، سنلغي كلمة “تُرهبون” من القرآن.

نحن يا أمريكا سنمزج النجمة والصليب والهلال، وشيئاً من عظام الأبقار، وحفنةً من حجارة بوذا، وقليلاً من كل ملة وشيعة وكافة الأحزاب، سنمزج يا أمريكا كل هذا، ونصنع من الخليط مومسا تذهب عن جنودكم ملل الزمان.

بل سوف نمزج الإنجيل والزبور والتوراة والقرآن، ونصنع من المزيج قصيدة تلعن الحرية والهوية والانتماء والمقاومة والأوطان.

سنغير يا أمريكا مناهجنا كي تتقن أجيالنا الضحك والخنوثة والدياثة والرقص والهز والانبطاح والرقص.

نحن سنلغي من ضميرنا ولغتنا وتاريخنا السلاح والجهاد والدفاع والكر والذود والقتال والكفاح، سننزعها سنطمسها سنمنعها سنلغيها من أناشيدنا وأشعارنا وأغانينا، سنصلب على جدران مساجدنا من يتداولها، سنتحدث عن الفر فقط، وسنوليكم – كلما اشتهيتم – الدبر، سنخصي الخيل، ونكسر الرماح، ونرمي في اليم سيوف السلف والأحفاد والخلف.

لن نفخر بماضينا وأصولنا وحاضرنا، لن نتغنى بالانتصارات، لن نسرد لأطفالنا ملاحم الأجداد، سنطمس صور المختار، ونحارب عبد القادر والخطابي والقسام.

سنمحو من التنزيل ما يشير إلى أنّ اليهود يهود، سنفتي بما تريدين، سنعدل، سنغير، سنلغي، سنحرق، سننبطح، سنلعن كل من يدافع عن أرضه وعرضه، سننسى الأقصى والقدس والمسرى، وسنؤدب – فوق كل ذلك – أطفال الحجارة.

اطمئني يا أمريكا فنحن كالجسد الواحد، نؤثرك بأرضنا ومواطنينا ونفطنا، وبما لا يجوز ذكره في هذا المقام.

نحن جادون، فانظري يا أمريكا… فها قد نزعنا حجاب نسائنا، واخترنا أجمل بنات العرب لفضائياتنا، وملأنا بالدف والهز إذاعاتنا.

نحن قومُ سفهاء، يُزعجنا ما يزعجك، فلا يهمنا إلا مرضاتك، ورضاك، نلعن ما تلعنين، ونحب ما تحبين، ونكره ما تكرهين.

اطمئني، فسنكون أمريكيين أكثر من آل أمريكا، نعادي من يعاديك، نعادي من يعاديك، فأعداؤك، وسبحان الله، هم بالطبع ألد ألد ألد أعدائنا.

فهل نتجرأ، هل نتجرأ، ونطلب من سموك الصفح والرضا والغفران، فزئير الماضي ما كان إلا ريحاً خرجت في غفلة دون استئذان.

د. فتحي الفاضلي

كتبت في شيكاغو- في 7 سبتمبر 2003م.

مشاركة