من استعادة كرامة الجيش، للحرب على الإرهاب، وصولا للتحول لبناء الدولة، ودخولا في الصراعات السياسية، ثم لا بأس من فكرة إنهاء سيطرة المليشيات على العاصمة، مرورا بفكرة محاربة القاعدة وادعاء عداوة داعش؛ ولا بأس أيضا من استغلال شيطنة مصطلح الإخوان.


بعد مرور خمس سنوات:

خمس سنوات مرت على إطلاق حفتر لعملية الكرامة؛ أظهر فيها مرونة كبيرة في تغيير الأهداف، وتنويع الأساليب؛ بل وتغيير الأعداء بين مرحليين ودائمين، مرونة فرضتها عليه تحديات كل مرحلة، والتماشي أحيانا مع الجو العام المتأثر بالشيطنة الإعلامية لأطراف وتلميع أخرى، وربما أيضا كانت لأجندات الداعمين شروطا لا بد من قبولها لضمان استمرار الدعم.

من الصعب جدا لوم حفتر على هذه المرونة البالغة في تغيير الأهداف والأعداء وحتى الأصحاب؛ عند معرفة الهدف الحقيقي الذي كان يلمع في رأسه من اليوم الأول، وهو ذلك العرش الذي بدا له شاغرا بعد زوال رفيق الصبا.

الدعم المحلي بعد مرور السنين:

ولكن ربما كان من الغريب استمرار الداعمين المحليين له من بداية معركته في دعمهم، رغم تقلبها وتغير أهدافها وانشقاق أركانها، ورزمة الفضائح المالية والأخلاقية التي لاحقت أكبر المدافعين عنها، بل وتحالفاتها الغريبة التي امتدت للخضر أحيانا، ولتيارات دينية مدعومة من الخارج – كأن عداوة هذه الظاهرة كانت إحدى حججه في البداية ـــ أحيانا أخرى، بل ووصلت حتى لتسهيلات مرورية داعشية، وسرقات بنكية، وتهريب موارد الدولة، وإحراق حلم الأمن والأمان؛ ورمي رفاته في مكبات القمامة وشارع الزيت والمعتقلات السرية للمعارضين والسياسيين وحتى العسكريين والأمنيين.

فكيف استطاع حفتر الحفاظ على داعميه المحليين رغم تضحيته بهدفه الرئيس الذي حشدهم حوله؟ وهل حقيقة أنه لا يزال يحتفظ بهم؟ وللمشككين في هذا؛ كيف تجيبون عن كم المدافعين عنه اليوم؟

غارقون في الدم:

ربما لا يعتقد حفتر نفسه؛ أن شعبيته في شرق ليبيا بالذات لا زالت بنفس المستوى التي كانت عليه في بداية عمليته، ويعتقد معارضوه أنه لم يعد يعول اليوم على زخم الشعبية؛ بعد أن اتبع سنن من قبله في تصفية خصومه المحتملين، فضلا عمن تجرأ على إعلان المعارضة، فمن يكونوا هؤلاء “المتحفترين”؟

غارقون معه في الدم لم تساعدهم نخوتهم في إبداء المعارضة، ولا شجاعتهم في إعلان العداء، فاستمروا في التقلب مع الأهداف واستساغة تلون الأساليب، وحاقدين على ثورة نزعت سلطانهم، حالمين بعودة بقية آثار زعيمهم ولو على تابوت يحمله حفتر، وآخرين يرددون ما يريده الكفيل، إن كان خيرا فخير وإن كان حفتر فحفتر، على ألا تنقطع عنهم الإيرادات، وتائهين رضو بحفتر على علاته، حالمين بوهم الاستقرار الهش الذي استمر أربعين عاما مليئة بالهمهمات، انتهت بسيل ثورة جارف لم يستقر طوفانها حتى اليوم؛ من أبرز الكلمات الدالة على الصنف الأخير: “نحن شعب ما يمشي معاه إلا العصا”.