من ضحايا الإرهاب في ليبيا: ضحايا رابطة المغرب الإسلامي

أطلق النظام السابق حملة اعتقالات واسعة استمرت من شهر أبريل 1979م إلى شهر مايو 1980م، طالت هذه الحملة أربعة وأربعين مواطنا ليبيا قاموا بتأسيس رابطة باسم “رابطة المغرب الإسلامي”، منهم اثنان وأربعون من الليبيين الأمازيغ، واثنان من الليبيين العرب.

كان من بين التُّهم التي وُجهت إلى أعضاء الرابطة، تأسيس تنظيم يهدف إلى إقامة دولة أمازيغية في ليبيا، وتهم أخرى تقول إن مجموعة من الأمازيغ يسعون إلى الانفصال عن ليبيا وتأسيس دولة ذات امتداد في المغرب العربي، بالإضافة إلى تهمة السعي لزعزعة النظام. وكعادة النظام السابق صاحب هذه الاتهامات وهذه الاعتقالات حملة تحقيق أو على الأصح حملة تعذيب وقمع وتنكيل. 

فما قصة هذه الرابطة؟ 

 جرت حوارات عدة بين شخصيات ليبية تنبذ الخطاب القومي العربي وتعتبره خطاباً عنصرياً، وأثمرت تلك الحوارات والتي امتدت من 1973م إلى 1979م عن تأسيس “رابطة المغرب الإسلامي”. كان الهدف المركزي للرابطة هو التصدي للخطاب القومي الذي تبناه معمر القذافي، الأمر الذي اعتبره النظام السابق معارضة سياسية تهدف إلى تقويضه. 

وكان من بين أهداف الرابطة أيضا، تثبيت الثقافة والهوية الأمازيغية، بما في ذلك ترسيم اللغة الأمازيغية وإبراز عادات وتقاليد وثقافة وتاريخ الأمازيغ، وقد اتبعت الرابطة أساليب سلمية لتحقيق ما تبنته من أهداف.   

ضمت الرابطة شخصيات مشهود لها بالوطنية والمهنية من بينها كاتب مرموق على مستوى الوطن (المرحوم الأستاذ سعيد المحروق)، كما ضمت أيضا معلمين ومصرفيين ومجموعة أخرى تنتمي إلى قطاع الأمن والشرطة والجيش والطيران، وكذلك خريجين من كليات الشريعة والزراعة والعلوم وتجار ورجال أعمال وموظفين وطلبة جامعيين. كما ضمت نفس المجموعة عدة أقارب منهم ثلاثة إخوة (سالم وميلود وسليمان مادي) وإخوة غير أشقاء (ميلود ونوري حماد) وأقرباء آخرين من آل أبوديه.  

ترأس التنظيم أو الرابطة السيد علي الشروي بن طالب، وكان نائبه السيد سالم موسى مادي والذي تواتر أنه العقل المفكر الذي يقف وراء رؤى وأفكار وأهداف الرابطة. وسنسرد لاحقا أسماء ومهن ومدن أعضاء الرابطة.

وعقب اعتقالهم مثل أعضاء الرابطة أمام محكمتين، محكمة الجنايات أولا، ثم المحكمة الثورية الدائمة، وسيجد القارئ الكريم الأحكام الصادرة في حق كل منهم من قبل المحكمة الأولى والمحكمة الثانية، لكننا سنتجول قبل كل ذلك في لقاء سريع مع أحد أعضاء هذه المجموعة وهو السيد موسى سعيد شاقوش.

التقيت بالسيد موسى شاقوش في مدينة طرابلس بعد ثورة 17 فبراير، وسرد لي بعض جوانب هذه القضية وظروفَ وأسباب وزمان اعتقاله وشيئا مما عاناه، وكنت أود مقابلة أكثر من عضو من أعضاء الرابطة، وقد تعذر ذلك حتى الآن (وما زالت الرغبة قائمة)، ولا أشك أن جميع أعضاء الرابطة مروا بما مر به السيد موسى من اجراءات وقمع وتنكيل واذلال.  

فمن هو السيد موسى؟

هو السيد موسى يوسف سعيد شاقوش، ولد بمدينة يفرن في 25 مارس 1945م، متزوج وأب لأربع كريمات (فاطمة 1971م، عبير 1976م، جمانة 1989م، وبلقيس 1991م)، ونجلين هما (يوسف 1973م، وهشام 1977م).  

درس السيد موسى الابتدائية بمدرسة “تاغمة” بمدينة يفرن، والإعدادية بمدرسة “يفرن المركزية” التحق بعدها بمعهد المعلمين بجادو، وتخرج من المعهد عام 1956م، عمل بعدها كمعلم في أكثر من مدرسة، منها مدرسة الجوابر في النواحي الأربعة (بالختنة) ومدرسة بن غشير بطرابلس، ومدرسة أحمد قنابة بالمدينة القديمة. ثم انتقل في 1970م إلى الإدارة العامة للمطبوعات بوزارة الإعلام والتي تحولت – فيما بعد – إلى الشركة العامة للنشر والتوزيع والإعلان ثم إلى دار الجماهيرية للنشر والتوزيع والإعلان.

يروي السيد موسى تجربته فيما يخص هذه القضية فيقول إنه اُعتقل في 20 أبريل 1980م في مكتب الإدارة العامة للمطبوعات بجوار مسجد أبورقيبة، حيث دخل رجال الأمن إلى المكتب وخاطبوا السيد موسى قائلين “نريدك خمس دقائق” وطلبوا منه إقفال مكتبه، وقد تم ذلك بحضور السيد الكاتب نجم الدين راغب الكيب (رحمه الله) والذي كان في زيارة للسيد موسى أثناء هذه الواقعة. (الكاتب هو الاسم الأول للسيد الكيب وليست صفة له).

حمل رجال الأمن السيد موسى في سيارة بيجو 504 بيضاء (اشتُهر رجال الأمن والمخابرات في ذلك الوقت باستخدام مثل تلك السيارات) واحتجزوه في إحدى المنازل خلف سجن النساء في عين زارة. أخذ الحراس حزام السيد موسى وساعته وناولوه أوراقا وأقلاما وطلبوا منه كتابة ما يعرفه عن خمسة من أعضاء الرابطة، هم السادة: علي بن طالب، وسالم مادي، وسالم زنبيل، وأحمد محرز، والشارف الهمالي، وأكد السيد موسى للجنة التحقيق أن علاقته بالمذكورين لا تتعدى كونهم معارف أو زملاء دراسة.

حصر المحققون بعد ذلك أسئلتهم مع السيد موسى حول السيد سالم زنبيل. ماذا تعرف عن سالم زنبيل؟ وما هي الأعمال التي قمت بها معه؟ وغيرها من أسئلة تركزت حول السيد سالم. فيجيب السيد موسى بأن علاقة صداقة تربطه بالمذكور، وأن السيد سالم قام بزيارته في نوفمبر 1980م في مكتبه بالإدارة العامة للمطبوعات بوزارة الإعلام، وأحضر معه منشورا باسم “رابطة المغرب الإسلامي” وطلب منه تصويره (نسخه) وقام السيد موسى بتصوير ست نسخ من المنشور. ويبدو أن هذا المنشور يتضمن رؤى وتصورات وأهداف الرابطة. (لم يتسن لي الاطلاع عليه).   

 وأثناء التحقيق كشف المحققون أو رجال الأمن للسيد موسى نسخة من المنشور، والذي اعترف بأنه قام فعلاً بتصويره، ولكنه أضاف قائلا: إنه لم يُدرك أنه منشور أصلاً، ولم يدرك حساسيته وجديته وأهميته، كما أضاف السيد موسى لرجال الأمن قائلا: إنه  لم  ينتم إلى الرابطة ولم يكن جزءاً منها.   

لم يقتنع رجال الأمن بالطبع، وقاموا بتعذيب السيد موسى لمدة قاربت خمسة وثلاثين يوماً في سجن عين زارة. كان التعذيب يتم عبر مزيج من التهديد بالشنق والإعدام والقتل، مع إشهار السلاح وتصويبه نحو رأس الضحية، بالإضافة إلى الضرب والركل والصفع والإهانة والصعق الكهربائي والبصق، وغير ذلك مما احتوته مؤسسات معمر الإنسانية.

استمر القهر والتعذيب والتنكيل إلى أن انهار السيد موسى فنقل إلى مستشفى “اندير” بالدور الرابع بالتحديد (ليس حرصا على حياته بالطبع، ولكن طمعا في شيء من المعلومات)، ومما يرويه السيد موسى أنه انهار لدرجة أنه كان يسمع ويرى ولكنه كان عاجزا عن الحديث أو الاستجابة أو التفاعل مع ما يدور حوله، فقد كان مصدوما أو مذهولا من هول ما تعرض له، بل وعجز في تلك الفترة عن النطق. بقي السيد موسى في المستشفى ثلاثة أيام، أعادوه بعدها إلى سجن عين زارة.

 وكان يستمع – في إحدى الليالي – إلى صراخ معتقل آخر استمر تعذيبه من فترة ما قبل المغرب إلى أذان الفجر. ثم سمع عند الفجر أصواتا تقول: لقد مات… لقد مات… لقد مات. ويواصل السيد موسى حديثه قائلا: كنت أستمع إلى صراخ وتأوهات الرجل حتى الفجر، ما ساهم في إرهابي وتحطيم أعصابي، ثم  توقفوا بعد ذلك عن ضربي لمدة ثلاثة أيام.

وبالرغم من التعذيب النفسي والجسدي، أصر السيد موسى على أنه لم يدرك أن ذلك المنشور كان موجها ضد النظام، وأصر أيضا على أنه لم يدرك جدية أو رمزية أو مغزى ذلك المنشور. وشخصياً أرى أن الرجل كان صادقا في ذلك، بدليل أنه كرر لي ذلك، وهو حر، خارج المعتقل فقد كان لقائي به بعد ثورة 17 فبراير، أي بعد سقوط النظام، وكان الادعاء – بعد الثورة –  بأنه عضو في التنظيم وأنه على دراية بما يرمي إليه المنشور، يعتبر – هذا الادعاء وإلى حد ما – بطولة بعد سقوط النظام السابق، لكنه أصر – كما أسلفت – على ما ذكره حتى بعد سقوط النظام، ما يدل على مصداقية الرجل. 

وبمعنى آخر، كان يمكنه أن يتبجح بأنه جزء من التنظيم وأنه يعلم بخطورة المنشور وأنه استطاع أن يضلل رجال الأمن وأنه تحمل العذاب دون أن يرضخ لمعذبيه.

وبعد انتهاء التحقيق تم تحويل السيد موسى وباقي المتهمين إلى النائب العام ويُدعى حسن بن يونس والذي كشف للمتهمين عن تقارير أو اعترافات موقعة بأيديهم. وأكد المتهمون أمام النائب العام أنهم أدلوا باعترافات ووقعوا عليها تحت التعذيب، فرد عليهم بن يونس قائلا “امالا تبونا نعطوكم عصيدة”، أي هل كنتم تتوقعون منا أو تنتظرون منا أو تريدون منا أن نقدم لكم وجبة “العصيدة” بدلا من تعذيبكم، وفي ذلك اعتراف بالتعذيب من جهة واعتراف بأن التوقيع تم تحت التعذيب أو بالإكراه من جهة أخرى.  

ثم قدم بن يونس للسيد موسى محضراً وطلب منه التوقيع عليه، فطلب السيد موسى أن يقرأه قبل أن يوقع عليه، فقال له بن يونس “شنو أنا بنكذب عليك” أي بما معناه: هل تتهمني… بأنني أكذب عليك؟  

وقع الأستاذ موسى عقب ذلك على المحضر وقال: لقد وقعت ولا أعرف على ماذا.  ثم اتضح فيما بعدبحسب السيد موسىأن بن يونس اعتبره في تلك التقارير أو الاعترافات أو المحاضر من مؤسسي التنظيم. ما يثبت أنه فعلا كذب على السيد موسى الذي سبق وأن نفى أنه من مؤسسي التنظيم، وأصر على ذلك أثناء التحقيق بالرغم من التعذيب. 

نُقل المتهمون بعد ذلك إلى القسم العسكري من سجن الحصان الأسود وبقوا هناك في سجن انفرادي لمدة أربعة أشهر، في غرف مساحتها لا تتجاوز ثلاثة أمتار (متران في متر ونصف). 

يقول السيد موسى: كنا 44 شخصا في أربع حجرات ضيقة، وبقينا على هذه الحالة لمدة 4 أشهر، وقد حشروا في كل حجرة ما لا يقل عن عشرة من السجناء.

ويضيف السيد موسى قائلا إن أسوأ لحظات حياتهم في المعتقل كانت عندما يحتاجون إلى استخدام الحمام، كان السجانون يفرضون على السجين الدخول إلى الحمام حافي القدمين مع بقاء باب الحمام مفتوحاً، بالإضافة إلى وقوف حارس على الباب. ليس ذلك فحسب، بل كلما أعرب المتهمون عن حاجتهم لاستعمال الحمام، ماطل الحرس في الاستجابة لحاجة السجناء لدرجة أن “كرهنا حياتنا” بتعبير السيد موسى بسبب مثل تلك المواقف. كما بقوا في فترة من الفترات – على سبيل المثال –  ستة أسابيع كاملة دون أن يغتسلوا.

ويواصل السيد موسى حديثه قائلا: بقينا ذهابا وإيابا من وإلى محكمة الجنايات لمدة عام ونصف. وبعد صدور أحكام المحكمة الجنائية (مذكورة أسفله)، تم توزيعنا على الأقسام في سجن الحصان الأسود (القسم العسكري)، كل حسب منطوق الحكم بحقه، وكنت في القسم الرابع حيث وجدنا أمامنا الطلبة الذين سُجنوا على خلفية أحداث 1976م. وبمجرد صدور أحكام محكمة الجنايات قمنا بتقديم استئناف على أمل تغيير أو تخفيف الأحكام بحقنا.

 وفي عام 1984م نُقل جميع سجناء القسم العسكري من سجن الحصان الأسود  (ليس فقط أعضاء الرابطة) إلى سجن أبو سليم، ذلك المعتقل الذي لا ترضى أن تعيش فيه الخنازير يوماً أو أقل، وأبلغونا  بأنهم سيحولوننا إلى المحكمة الثورية الدائمة على خلفية الاستئناف الذي تقدمنا به.

تحولت القضية – بناء على الاستئناف المقدم من قبل أعضاء الرابطة – إلى  المحكمة الثورية الدائمة، ومثلت المجموعة – بناء على ذلك أيضا – أمام  لجنة تحقيق جديدة تشكلت من ثلاثة أشخاص بينهم فتاة.

ومما يرويه السيد موسى شاقوش تركيز لجنة التحقيق الجديدة ولمدة طويلة على معنى “شاقوش” ما دفع بالسيد موسى إلى إبداء استغرابه من ذلك، حيث رأى أن ذلك يعتبر مجرد عبث ومضيعة للوقت واستهتار، وربما شعر بشيء من السخرية والاستهزاء باسمه، فما  يفيد أو يغير أو يؤثر معنى اسم المتهم في قضية بهذا الحجم! وفي موقف لا يُحسد عليه الرجل.

وكالعادة تغيرت الأحكام التي أصدرتها المحكمة الأولى إلى الأسوأ، فقد جاءت أحكام المحكمة الثورية الدائمة – وكما كان متوقعاًأكثر ظلما وإجحافا وقسوة من أحكام المحكمة الأولى (محكمة الجنايات). وكان اثنان من أعضاء الرابطة خارج الوطن أثناء حملة الاعتقال، تم الحكم عليهم غيابيا. يجد القارئ الكريم – أسفله – أحكام المحكمة الأولى والثانية بحق جميع المساجين. 

لقد تغير منطوق الحكم بالنسبة للسيد موسى – على سبيل المثال – من السجن أو العزل لمدة عشر سنوات من قبل محكمة الجنايات إلى الإعدام أو التصفية الجسدية حسب منطوق المحكمة الثورية الدائمة. وتغيرت الأحكام إلى الأسوأ بالنسبة لأغلب أعضاء الرابطة. نُقل السيد موسى على إثر ذلك إلى عنبر الإعدام، ووجد أمامه عشرة من زملائه في قسم الإعدام. 

يقول السيد موسى بقينا في حجرة صغيرة –  بعد إصدار الحكم الثاني – لم نخرج منها لمدة عامين كاملين، وقابلنا في عنبر الإعدام فريد أشرف (من قادة البعث- لم يُعدم)، والمرحوم عمر محمد الحريري (من الضباط الوحدويين الأحرار، أحد  قادة انقلاب أغسطس 1975م- توفي حديثا خارج السجن)، والرائد أحمد الزبير السنوسي (حفيد المجاهد أحمد الشريف- والذي اعتقل في محاولة انقلاب الأبيار في 10 مايو 1970م وخرج من السجن في 18 أغسطس 2001م، أي بقى في السجن لمدة 31 عاما- منها 17 عاما في زنزانة انفرادية).

ومما يزيد من معاناة وآلام السيد موسى مراسلة أرسلتها هيئةُ الأمن الداخلي في ذلك الوقت (جهاز المعلومات) إلى أمين الدار الجماهيرية للنشر والتوزيع والإعلام. تزينت تلك المراسلة بأكثر من ختم وتوقيع (مرفق نسخة منها) ما يدل على أنها تنقلت بين عديد مكاتب وعديد المسؤولين.

 كانت المراسلة ردا على استفسار أمين الدار الجماهيرية حول استمرار أو عدم استمرار صرف مرتب السيد موسى شاقوش بعد اعتقاله، فجاء رد هيئة الأمن الداخلي على استفسار أمين الدار كالتالي:

“أفيدكم أن المذكور قد حكمت عليه المحكمة الثورية بالتصفية الجسدية، وعليه يمكنكم الرجوع إلى المستشار القانوني بدار النشر والتوزيع لأنكم جهة الاختصاص بالموضوع”.

 لكن ما يلفت النظر في هذه المراسلة، بل وما يؤلم، هو تعليق أو ملاحظة من أمين دار الجماهيرية للنشر والتوزيع والإعلام في ذلك الوقت، تقول الملاحظة أو التعليق:

  “عُلم ويتم إسقاط المذكور من قوائم العاملين بالدار، وتتحمل الجهة المشرفة سابقاً مسؤولية توظيفه في الأساس، لأنه كان من باب أولى ألا يتم توظيف مثل هذه النماذج الرجعية المعادية للتحول الثوري”، وللقارئ الكريم استنتاج ما بين سطور تعليق أمين دار الجماهيرية للنشر والتوزيع.

شخصيا أرى أن صاحب هذا التعليق يريد أن يقول إنه لم يوظف السيد موسى (يعني مش ذنبي)، ثم وصف السيد موسى بعد ذلك بـ “الرجعي” و”المعادي للتحول الثوري”، ثم أمر بإسقاطه من قائمة الموظفين، ومن الواضح أن في ذلك محاولة للتهرب من المسؤولية وتبرئة شخصه وتوريط زملاءَ سابقين له، يفترض أنهم قاموا بتوظيف “ليبي رجعي مُعادٍ للتحول الثوري”، وكل ذلك لتبييض وجهه دون جدوى، فقد سودته تلك الملاحظات وسودت سجله بالكامل. وحتى إذا نجحت ملاحظته في تبييض وجهه مع الطغاة مؤقتا، لكنها سودت وجهه مع الله سبحانه وتعالى، وكان يكفي أن يقول – على سبيل المثال – “عُلم…  وتحول إلى المستشار القانوني للإجراء“.

لم يكن السيد موسى وحده الذي تعرض للتحقيق والتعذيب والإهانة والتهديد والتنكيل بل كافة أعضاء الرابطة كما ذكرنا أعلاه. وأتمنى أن يتحدث بالتفصيل عن تجربته كل من مازال منهم على قيد الحياة، يتحدث عما عاناه عبر هذه التجربة المريرة، أو يتحدث بالنيابة عنهم أولادهم أو أصدقاؤهم بالنسبة لمن انتقلوا إلى رحمة الله ودونوا أو وثقوا تجربتهم أو تركوا مذكراتهم أو تركوا سجلات تحوي ما تعرضوا له من ظلم وإهانة وإذلال وتنكيل.

ومن الجهود المهنية الراقية التي بذلت في توثيق نشأة وأهداف ومسيرة الرابطة، قام السيد سالم موسى مادي بنشر كتابه حول الرابطة ومسيرتها ونشره بعنوان “عندما تكلمت الأمازيغية – مذكرات سجين”. والكتاب يعتبر وثيقة جامعة شاملة بالنسبة لقضية رابطة المغرب الإسلامي، ويعتبر إثراء لمكتبة الصراع السياسي المعاصر في ليبيا، حيث أبرز الكاتب رؤى وأفكار ومبادئ الرابطة، وتاريخها ونشأتها، كما قدم خلفية مختصرة عن أعضاء الرابطة، وقدم أيضا جانبا من مراحل الاعتقال والتحقيق، وتحدث عن الحياة داخل الزنازين والسجون والعلاقة بين المساجين، كما تحدث الكاتب عن وجهة نظره وأفكاره ورؤاه في هذه القضية، وتحدث أيضا عن وقائع وتفاصيل مهمة أخرى.  والسيد سالم هو المتهم الرئيسي الثاني في المجموعة، بل وتواتر كما ذكرنا أنه العقل القيادي في الرابطة.

جاء الكتاب في 125 صفحة من الحجم المتوسط وهو من منشورات الجمعية الليبية للدراسات الأمازيغية. ويبدو أنه الإصدار الثاني في هذه السلسلة. وتمنيت أن يتضمن الكتاب الأحكام التي صدرت في حق المتهمين من قبل المحكمتين، وأسماء المحققين والقضاة، وما تعرض له جميع الأعضاء من وقائع الاعتقال وطريقتها وتوقيتها، وما تعرضوا له من معاملة، وبالطبع يمكن إضافة ذلك مستقبلا في طبعات أخرى، لتكتمل الصورة. لكن الكتاب – كما نوهنا – يعتبر  إضافة رائعة للمكتبة الليبية وتوثيقا للرابطة ومسيرتها.  

متفرقات…

السيد الهادي سليمان هنشير …

أحد أعضاء الرابطة، خريج كلية العلوم – طرابلس – قسم الجيولوجيا، وهو أحد طلبة دفعتنا، درسنا معا بنفس القسم ونفس الدفعة. تقلد السيد الهادي منصب وزير الموارد المائية من 2014 إلى 2015م. والسيد الهادي لا يؤمن بصراع الأحزاب قبل تأسيس الدولة واستقرارها. وهو رافض لكافة الأفكار العنصرية مهما كان أصلها أو مصدرها. وهو لا يؤمن ايضا بالانتماء إلى الطوائف والأعراق وما من شأنه إحداث الفرقة في الوطن، ويود أن يُصنف كـ “ليبي” فقط.

وعند تسليمه للوزارة، قام السيد الهادي بتسليم جميع ما في عهدته من أمانات ومن بينها – على سبيل المثال – خمس سيارات وكان رجلا أمينا مخلصا نظيفا. ما يضيف دليلا أو نموذجا آخر على وطنية ونظافة وإخلاص أعضاء الرابطة. اتفقنا على نشاطها وأهدافها ورؤيتها أو لم نتفق.

 المرحوم امحمد خليفة الحمراني…

بعد إطلاق سراحه، مثل المرحوم الحمراني ليبيا في مؤتمر الكونغرس الأمازيغي في المغرب، أي أنه ممثل ليبيا لدى الكونغرس الأمازيغي. وهو صديق مقرب لـ أبو زيد دوردة عندما كان الأخير رئيسا للأمن الخارجي. تعرض الحمراني- بعد عودته بفترة –  لحادث سير في الانجيلة – طرابلس، توفي على إثره، ويعتقد البعض أنه حادث سير مدبر حيث تواتر أن أبوزيد دوردة حذره قائلا “إنهم لن يخسروا فيك سوى حادث سيارة”.  

الشارف فهمي مفتاح الهمالي…

أوفد السيد الشارف فهمي مفتاح الهمالي وهو أيضا أحد أعضاء الرابطة، في مهمة رسمية عن طريق المؤسسة الوطنية للنفط لحضور مؤتمر في فرنسا في 25-3-2003م وأثناء عودته مع أعضاء الوفد عن طريق تونس اختفى ولم تتمكن أسرته من إيجاده ولم تتمكن أيضا من كشف ما تعرض له حتى يومنا هذا. 

والسيد الشارف هو أحد موظفي المؤسسة الوطنية للنفط من تاريخ 28-9-1969م وحتى تاريخ إنهاء خدماته من قبل المؤسسة بتاريخ 9-3-2003م، لانقطاعه عن العمل، وقد جاءت الفقرة الأخيرة (أي انقطاعه عن العمل) في مراسلة من قبل المؤسسة الوطنية للنفط، وكأنه انقطاع إرادي، والغريب أنه جاء في نفس المراسلة أن المؤسسة على علم بواقعة اختفاء السيد الشارف، فقد جاء في نفس المراسلة أيضا “… إنهاء خدماته لانقطاعه عن العمل، علما بأنه غير معروف سبب انقطاعه ليومنا هذا لاختفائه إثر إيفاده من قبل المؤسسة الوطنية للنفط في مهمة عمل رسمية… “.

 ما أود أن أقوله إنه ليس انقطاعا إراديا عن العمل، بل اختفاء وربما اختطاف أو اغتيال أو قتل او أمر قسري آخر، وبالتالي فإن أمر إنهاء الخدمة والذي يتبعه انقطاع المرتب، أمر لم أستوعبه.

المؤتمر الذي حضره السيد الشارف المفقود أو المغيب في فرنسا تم تنظيمه لمدة أسبوع من  9-3-2003م إلى 17 -3- 2003م، وأكدت السلطات التونسية دخوله عبر مطار تونس قرطاج ولم تؤكد خروجه من تونس. مراسلة المؤسسة الوطنية للنفط مؤرخة في 5-4-2012م. كما يشك أن السيد الهمالي ربما تعرض لعملية اغتيال.  وقد نخصص لاحقا مقالا مستقلا حول الضحية السيد الشارف فهمي مفتاح الهمالي.  

السيد سليمان مادي…

بعد أيام من وفاة الشهيدين، أحمد مخلوف، وناجي بوحوية في معسكر السابع من أبريل تم ترحيل باقي المعتقلين في ذلك المعسكر من مدينة بنغازي إلى مدينة طرابلس، وأودعوا سجن الحصان الأسود. وكان سليمان مادي أحد الطلبة الذين نُقلوا من معسكر السابع من أبريل. وهو أخ السيد سالم مادي نائب رئيس الرابطة.

والسيد سليمان مادي، طالب بكلية الحقوق، كفيف البصر، من حملة كتاب الله، وهو شاعر، ومبدع أيضاً. لم يشفع له فقدان بصره عند الكلاب المسعورة، رسل الثورة الثقافية، فاقتادوه في 1982م إلى مؤسسة القذافي الإنسانية، معتقل السابع من أبريل. وقاموا بتعذيبه حتى فقد حاسة السمع، بعد فقدانه، ومنذ صغره، حاسة البصر.

بقى السيد سليمان مادي في سجن الجديدة بمدينة طرابلس، يعاني من آثار التعذيب الشديد الذي تعرض له على أيدي زبانية السابع من أبريل، وما لحق ذلك من تعذيب في سجن الحصان الأسود. أصبح السيد سليمان إماما وخطيبا في أحد مساجد الوطن بعد خروجه من السجن.

يحيى عمرو…

قامت المحاكم الثورية أو بالأحرى الغوغائية في 25 فبراير1981م، بإصدار حكم إعدام غياب في حق المرحوم يحي عمرو (مدرج اسمه ضمن أعضاء الرابطة) وحكم عليه غيابيا بالإعدام وهدموا بيته. وهو ضابط شرطة ثم أصبح رجل أعمال مقيم  بالمنفى، اتهم بتأسيس وتمويل المعارضة الليبية في الخارج، بل واتهم بأنه وراء أغلب النشاطات والانقلابات ضد النظام السابق. وقد توفي السيد يحيى في المنفى.

وقد توفي من أعضاء الرابطة حتى يومنا هذا، خمسة وعشرون عضوا (مدرجة أسماؤهم ضمن الأحكام التي صدرت بحقهم)، اثنان وعشرون منهم توفوا بعد إطلاق سراحهم، وتوفي السيد يحيى عمر في المنفى، وتوفي السيد امحمد الحمراني إثر حادث سير، واختفى السيد الهمالي حتى يومنا هذا، وتوفي الكاتب سعيد المحروق في بيته، وكان معاقا إثر حادث سير، وقد أدرج اسمه في قائمة المتهمين دون أن يُعتقل، وهو مهتم بالجوانب النظرية والفكرية للرابطة. وقد سبق وأن تحدثت عن قضية الرابطة وعن الكاتب المرحوم سعيد المحروق في حلقات أوسمة على صدر الوطن (انظر الحلقات 161 و 162).

تفاصيل الأحكام:

أصدرت محكمة الجنايات (المحكمة الأولى) أحكاما في حق أعضاء الرابطة، شملت أحكاما بالمؤبد على سبعة من المتهمين، وبالسجن لمدة عشر سنوات على عشرة منهم، والسجن لمدة ست سنوات على ستة من المتهمين، والحكم ببراءة ثمانية عشر متهما، فتقدم المتهمون –كما ذكرنا– بطلب استئناف. والأحكام لم ترق أيضا للأخ القائد، ولم تَشْف غليله، وبدلاً من تحويل القضية إلى محكمة الاستئناف، تم تحويلها إلى المحكمة الثورية الدائمة.

  

وكان تحويل القضايا إلى المحكمة الثورية الدائمة بعد صدور أحكام من محاكم أخرى ممارَسة روتينية يمارسها النظام السابق في حالة عدم رضاه عن الأحكام الصادرة عن المحكمة الأولى، أو إذا لم تشف غليله أو غرائزه السادية.  وقد سبق وأن مارس ذلك في  العديد من القضايا نذكر منها على سبيل المثال: ما تعارف على تسميته بانقلاب مصراتة أو انقلاب الرائد عمر المحيشي أو انقلاب أغسطس 1975م، وكذلك قضية الشهيد امحمد امهذب حفاف 1983م، وقضية مقتل أحمد مصباح الورفلي في 1986م، والتي أعدم على خلفيتها تسعة من خيرة شباب الوطن في شهر فبراير من عام 1987م، وغيرها من القضايا.

 

تغيرت الأحكام -إذا- إلى الأسوأ، فقد أصدرت المحكمة الثورية الدائمة بحق نفس أعضاء الرابطة وبنفس التهم، حكما بإعدام أربعة عشر متهما، وبالمؤبد على عشرة منهم، وبالسجن لمدة 12 سنة على سبعة متهمين، وبالسجن لمدة ست سنوات ونصف على 15 عضواً. ولم تصدر المحكمة حكما بحق أحد الأعضاء (سليمان مادي)، والذي أحضر من معسكر السابع من أبريل وسجن مع أعضاء الرابطة. ويبدو أن هذه الأحكام الأخيرة التي تعج بالمؤبد والإعدام، قد راقت لمعمر، فأقرها. وفيما يلي قائمة أعضاء الرابطة ومدنهم ومهنهم ومنطوق أحكام المحكمة الجنائية ومحكمة الشعب في حق كل منهم، مع ملاحظة أو تنويه عن كل منهم.

أولا: أربعة عشر عضوا تغير منطوق الحكم الأول إلى الإعدام

  • علي الشروي بن طالب (يفرن – أعمال حرة – من مؤبد إلى إعدام –

متوفي)

  • ساسي خليفة الخماشي (نالوت- قاض ثم محامي- من مؤبد إلى إعدام

– متوفي)

  • الشارف فهمي الهمالي (ورشفانة- موظف بقطاع النفط – من مؤبد

إلى إعدام- مغيب)

  • سالم موسى مادي (يفرن – عمل حر – من مؤبد الى إعدام – دمر بيته

–  اصيب حديثا بجلطة)

  • عمر سعيد الشماخي – يفرن – مصرفي – من مؤبد إلى إعدام –

متوفي)

  • علي ميلود حماد (يفرن – موظف القوى العاملة – مؤبد – إعدام –

متوفي)

  • موسى يوسف سعيد شاقوش – يفرن – موظف تبع الاعلام- من 5

سنوات إلى إعدام)

  • يوسف علي ميلود حفيانة – يفرن – عمل حر – من براءة إلى إعدام)
  • أحمد علي سالم محرز – تازمرايت – مدرس – 10 سنوات إلى إعدام)
  • أمحمد خلفة الحمراني – الرحيبات – هندس طيران – من 10 سنوات

إلى إعدام – متوفي)

  • سالم علي سالم زنبيل – يفرن – مدرس – من 10 سنوات إلى إعدام –

متوفي – دمروا بيته ورفض اعادة بنائه)

  • يحي عمرو – جادو – رجل أعمال – من مؤبد إلى إعدام – حكم غيابي –

هدموا بيته- متوفي)

  • يوسف سالم زريبة – إعدام – إعدام – متوفي.
  • عيسى سيجوك – إعدام – اعدام – غيابيا – كان في تونس)

 

ثانيا: عشرة أعضاء تغير منطوق الحكم الأول بحقهم إلى المؤبد.

  • ميلود موسى مادي (يفرن – مدير مشروع زراعي – من 10 سنوات إلى

مؤبد)

  • سليمان رمضان العزابي (يفرن – موظف – من 6 سنوات إلى مؤبد)
  • محمد عيسى معيوف (يفرن – مدرس – من 10 سنوات إلى مؤبد).
  • عيسى عاشور أبو دية (يفرن – ضابط شرطة مستقيل- من 6 سنوات

إلى مؤبد)

  • يالقاسم سعيد الغبار (يفرن – رجل أعمال – من 10 سنوات إلى مؤبد –

متوفي)

  • أحمد الطيب بن عمران ( يفرن – موظف – من 10 سنوات إلى مؤبد –

متوفي)

  • عبد الله عيسى أبو دية (يفرن – ضاب شرطة – من 6 سنوات إلى مؤبد

– متوفي)

  • عبد الله خميس الشماخي (يفرن – مدرس – من براءة إلى مؤبد).
  • ميلود ابراهيم أبو ساق (يفرن – مدرس – من 6 سنوات إلى مؤبد –

متوفي)

  • الطاهر سالم أبو دية (يفرن – مدرس – من 6 سنوات إلى مؤبد –

متوفي)

 

ثالثا: سبعة أعضاء تغير منطوق الحكم الأول إلى عشر سنوات.

  • سليمان علي أبودية (يفرن – مدرس – من براءة إلى 10 سنوات –

متوفي)

  • علي بالقاسم القلعاوي (القلعة – مساح – من براءة إلى 10 سنوات –

متوفي)

  • علي سالم بغبغ (يفرن – مهندس – من براءة إلى 10 سنوات).
  • نوري علي الشروي ( يفرن – مدرس – من براءة إلى 10 سنوات –

الرئيس السابق للمجلس الأعلى لأمازيغ ليبيا)

  • عيسى خليفة الختالي (جادو – مقاول – من 6 سنوات إلى 10 سنوات-

متوفي)

  • عيسى خليفة الختالي (جادو – مقاول – من 6 سنوات إلى 10 سنوات –

متوفي)

  • محمد محمود الزواوي – مصراتة – موظف – 10 سنوات لم يتغير –

متوفي)

  • الهادي سليمان هنشير (يفرن- جيولوجي – وزير الموارد المائية في

حكومة زيدان- من براءة إلى 10 سنوات)

 

رابعا: مجموعة تغيرت أحكام المحكمة الأولى إلى السجن لست سنوات ونصف، وتم إطلاق سراحهم في 1987م (سنة قبل اطلاق سراح زملائهم) أي سنة قبل ما يسمى بأصبح الصبح.

  • الصكاح سعيد أمحمد (جادو – متقاعد- من براءة إلى ست سنوات)
  • زريبة سالم يوسف (يفرن- أعمال حرة – من براءة إلى ست سنوات-

متوفي)

  • طالب بن الشروي أحمد (يفرن – طالب – من براءة إلى ست سنوات).
  • أبو قصيعة موسى بالقاسم ( يفرن- موظف – من براءة إلى ست

سنوات)

  • فطيس الزروق خالد (زوارة- موظف- من براءة إلى ست سنوات).
  • الأعتر عمار محمد (زوارة- موظف – من براءة إلى ست سنوات).
  • القلعاوي محمد سالم (القلعة – مدرس – من براءة إلى ست سنوات –

متوفي)

  • أبو خريص سليمان – يفرن – أعمال حرة – من براءة إلى ست سنوات –

متوفي)

  • عمر أحمد الشماخي (يفرن – مدرس – من براءة إلى ست سنوات –

متوفي)

  • عمران أبو السعود (زوارة – محاسب – من براءة إلى ست سنوات –

متوفي)

  • الزائر علي جمعة (يفرن – موظف – من براءة إلى ست سنوات).
  • سليمان عمرو خليفىة (طمزين – عقيد جيش متقاعد- من براءة إلى

ست سنوات – متوفي)

  • سليمان موسى مادي (يفرن – طالب – لم يصدر في حقه حكم – من

براءة إلى ست سنوات – كفيف- امام مسجد حاليا)

  • أحمد سالم الأسطى – يفرن – بدون – براءة – من براءة إلى ست

سنوات – متوفي)

  • سعيد المحروق (جادو – كاتب – 6 سنوات – متوفي). 

وفي 1987م أطلق سراح أعضاء الرابطة الذين تلقوا أحكاما بالسجن لمدة ستة سنوات ونصف. وبعد عام من ذلك، وبالتحديد في شهر مارس من عام 1988م، أو فيما يسمى  بـ “أصبح الصبح” أُفرج عن باقي المعتقلين إلا عن عشرة أعضاء من الذين حكم عليهم بالإعدام. ثم أفرج عنهم أيضا ولكن  بعد عشرين يوماً من الإفراج عن المجموعة الأولى، وبعد لقاء ضمهم مع معمر القذافي قبل الإفراج.  وهم: علي الشروي بن طالب، سالم موسى مادي، علي ميلود حماد، أحمد الطيب سالم، الشارف الهمالي، محمد عيسى معيوف، سالم علي زنبيل، أحمد علي محرز، ساسي خليفة الخمايسي، وعمر الشماخي.

وهكذا كعادته تعامل النظام السابق مع قضية سياسية سلمية فكرية بالعنف والقمع والتعذيب والسجن والتنكيل، وكان في مقدوره التعامل مع هذه القضية بالحوار واستيعاب الرأي الآخر وقبول وتبني قضايا الليبيين بمختلف تصوراتهم وأفكارهم وآرائهم وأعراقهم وصنع مجتمع يضم الجميع دون تهميش أو إقصاء أو دعوات عنصرية أو قومية أو عرقية، مجتمع يعيش فيه الجميع تحت مظلة الوطن، بدلا من القمع والعنصرية والاضطهاد. ماذا استفاد الوطن بالزج بمثل هذه المجموعة الوطنية التي تغير على وطنها وتطلب عدم الإقصاء والتهميش؟  ماذا استفاد الوطن من الزج بهم في معتقلات وتعذيبهم واحتقارهم وإهانتهم وإرهابهم بأحكام تصل إلى الإعدام والعزل المؤبد بمجرد طلبهم الاعتراف بثقافتهم ومكوناتهم ولغتهم؟. لكن الرعونة التي تميز بها النظام أعمت بصيرته – إن كانت له بصيرة – على أن يرى جمال الوطن بمختلف مكوناته.

اختلاف الأعراق في ليبيا واللغات واللهجات والعادات والتقاليد والمكونات والثقافات يعتبر عند القيادة الحكيمة بل عند المواطن البسيط، غناء وثراء وجمال، وطن غني بكل شيء. هذا التنوع يعتبر مصدر تهديد للجهلة والمتخلفين والطغاة. القيادة الحكيمة تستوعب وتتقبل الآخر، والقيادة المتخلفة تعادي وتهمش وتضطهد الآخر، بالرغم من أن هذا “الآخر” قد يكون أكثر وطنية وأكثر حبا وأكثر إخلاصا لبلادنا. والله من وراء القصد.

 

قدر الله أن انتهي من هذا العرض في ذكرى اختفاء السيد الشارف الهمالي أحد أعضاء رابطة المغرب الاسلامي. أسأل الله سبحانه وتعالى أن يكشف لأهله عن مصيره، وأن يأخذ العدل مجراه، ضد من ظلمه أو اختطفه أو غيبه.

 

د. فتحي الفاضلي

طرابلس- 18-03-2021م