الشيخ عمر المختار معلم القرآن وقائد المجاهدين والمفاوض السياسي، الذي يتنافس على إرثه الجميع. تعرف على أهم محطات حياته في يوم الشهيد

6585

 

-مولده ونشأته:

وُلد عمر المختار في الجبل الأخضر عام 1862 وقيل 1858 ميلادية، وقد تربي منذ نشأته تربيةً إسلاميَّة مستمدة من تعاليم الحركة السنوسية.

التحق بمعهد جغبوب لينضم إلى طلبة العلم والقرآن من أبناء الإخوان السنوسية والقبائل الأخرى. فدرس الفقه والحديث والتفسير، وتميز بثقافة دينية عميقة وبشخصية قيادية عززتها نشأته في الصحراء ومعرفته بالقبائل. حيث كان لهذه النشأة الأثر العظيم في قيادته وثباته وحكمته.

في العام 1897 هجرية عيَّنه المهدي السنوسي شيخاً لبلدة تسمى زاوية القصور تقع بمنطقة الجبل الأخضر شمال شرق برقة والتي تقع قريباً من مدينة المرج.

وقد أحسن عمر المختار الأداء في هذا المنصب، وقد أدَّت علاقته الوثيقة بالسنوسيّين إلى اكتسابه لقب سيدي عمر الذي لم يكن يحظى به إلا شيوخ السنوسية المعروفين.


جهاده للمستعمرين وثباته:

عندما بدأ الاستعمار الفرنسي لتشاد في عام 1900 جيَّشت الحركة السنوسية نفسها ضد الفرنسيين، وكان عمر المختار ممَّن اختيروا لقيادة كتائب الحركة ضدَّهم، ورغم ظروف الحرب إلا أنه اشتغل أيضا بالدعوة وتعاليم دين الإسلام في تشاد.

في عام 1911 هجرية أعلنت إيطاليا الحرب على الدولة العثمانية في ليبيا، وبدأت إنزال قوَّاتها بمدينة بنغازي في تلك الأثناء كان عمر المختار في مدينة الكفرة بقلب الصَّحراء، وعندما مرَّ بطريقه بواحة جالو علم بخبر نزول الإيطاليين، فغدا مسرعاً إلى زاوية القصور لتجنيد أهلها من قبيلة العبيد لمقاومة الإيطاليّين، ونجح بجمع 1,000 مقاتل معه، ليبدأ سلسلة من المعارك التي خاضها إلى آخر حياته.

“لم يكن حينها ثمة إعلاميين يملي عليهم الداعمون أن يعزلوا عن السياسة كل من كان متمسكا بالقرآن وتعاليم الدين الحنيف، بل بدا واضحا كيف التف الناس حول الشيخ ومعلم القرآن عمر المختار ليكون رمزا لكفاحهم وأيقونة لجهادهم.”

يقول أستاذ التاريخ في جامعة طرابلس، الدكتور مصطفى بن نصر، عن هذه الفترة: “استطاع الشيخ عمر المختار أن ينظم حركة المقاومة خلال أشهر قليلة بعدما كانت مقاومة تفتقد للخبرة، وكانت مواجهته للإيطاليين بالكرّ والفرّ وليس مواجهة مباشرة، لعلمه أنه لن يقوَى على مواجهة جيش منظم يملك عتادا حربيا متطورا”.


لن نستسلم ننتصر أو نموت:

واجه عمر المختار الجنود الإيطاليين سنين عديدة، في معارك لا حصر لها، أشهرها معركة هامة ومعركة بوشمال، ومعارك أم شخنب وشلظيمة والزويتينة، لكن أشرس معارك عمر المختار كان أم الشناتير وبئر الغبي، سنة 1927، إذ قرر الجيش الإيطالي حينها حشد قوات بكاملها لوقف عمر المختار.

وعندما آيس الإيطاليون إخماد هذه الثورة التي يقودها الشيخ عمر فاوضوه وحاولوا إغراءه في مرات عديدة لكنهم فشلوا، كان يقابلهم بجملة واحد هي: ارحلوا من ليبيا كلها.

“وكيف لمن ارتمى في زوايا القرآن أن يتنازل بجزء من وطنه لأجل حفنة من مال لا يسمن ولا يغني من جوع، ولقد كان ثباته درسا لمن خانوا البلاد بعده، درسا لمن تربى في قصور أمريكا وغيرها وجاء ليظهر وجها عسكريا وسياسيا لليبيا، ليس على نهج الشيخ عمر، وإنما ليراهن بالبلاد على حفنة من أموال تصرف وشهرة كاذبة تسمع.”

لجأ الغزو الإيطالي إلى عزل سكان القبائل في أماكن تجمع معسكر عمر المختار، لأنهم كانوا يعتبرونهم عنصر الدعم الأساسي للمقاومين بالرجال والغذاء.

“وما أشبه اليوم بالبارحة إذ كان هذا نهج من جاء غازيا البلاد بعدهم، يشترون القبائل ووجهاء المدن ليرفعوا أيديهم عمن يدفعون أنفسهم رخيصة كي لا تكون سيادة ليبيا مرتهنة بأموال خليجية وأجندات غربية، ولقد اشتهر اليوم مشايخ للقبائل يبيعون مواقفهم بأرخص الأثمان، وفي الجانب الآخر سلك ثوار أحرار نهج الشيخ عمر في عدم الارتماء لأحد إلا بلادهم وأهلهم وإن جاروا عليهم.”

وحين لم يُجْد هذا نفعا مع الشيخ عمر والثلة التي رافقته، التجأ الإيطاليون إلى مشايخ دين وإعلام كتّابه ليبيون، فصوّروا شيخ الثوار عمر المختار بقائد العصاة الخارجين عن الطاعة، وقد اتخذ الطغاة من بعدهم هذا النهج صراطا مستقيما يسيرون عليه ليثبتوا ملكهم، فوصفوا كل ثائر مدافع عن وطنه بالخوارج تارة، وبالعصاة المارقين تارات أخر.

وليتخذ من سار على نهج الشيخ عمر عدم السماع لكلام من راهن مواقفه في أحضان الغربي، وليكملوا مسيرهم في الدفاع عن وطنهم وإن قتلوا وأسروا وأعدموا.


أسر واستشهاد عمر المختار

عام 1931 تمكن الطليان من الاشتباك مع المجاهدين في معركة كبيرة عثروا على جواد الشيخ عمر مجندلًا في ميدان المعركة؛ تعرّف عليه في الحال أحد الجنود المرتزقة الليبيين، فقدَّم له ابن اخيه المجاهد حمد محمد المختار حصانه وعندما همَّ بركوبه قُتل أيضًا وهجم الأعداء عليه، ورآه أحد المجندين العرب وهو مجاهد سابق له دوره، ذُهل واختلط عليه الأمر وعزَّ عليه أن يُقبض على عمر المختار فقال: “يا سيدي عمر.. يا سيدي عمر!!” فعرفه الأعداء وقبضوا عليه.

نُقلت برقية من موريتي، جاء فيها: «تمَّ القبض على عمر المختار.. في عملية تطويق بوادي بوطاقة جنوب البيضاء»

وتمَّ استدعاء أحد القادة الطليان، الذي سبق أن فاوض عُمر المختار للتثبت من هوية الأسير. نُقل عمر المختار إلى مبنى بلدية سوسة، ومن هناك على ظهر طرَّاد بحري إلى سجن بنغازي مُكبّلًا بالسلاسل.[123] يقول غراتسياني في مذكراته «هذا الرجل أسطورة الزمان الذي نجا آلاف المرات من الموت ومن الأسر واشتهر عند الجنود بالقداسة والاحترام لأنه الرأس المُفكر والقلب النابض للثورة العربيَّة (الإسلاميَّة) في برقة وكذلك كان المُنظم للقتال بصبر ومهارة فريدة لا مثيل لها سنين طويلة والآن وقع أسيرًا في أيدينا».

 

 

 

 

 

ولنترك لكم مشهد حوار غراتسياني مع الشيخ عمر كما نقله غراتسياني في مذكراته:

-غراتسياني: لماذا حاربت بشدَّة متواصلة الحكومة الفاشيَّة؟

-الشيخ المختار: من أجل ديني ووطني.

-غراتسياني: ما الذي كان في اعتقادك الوصول إليه؟

-الشيخ المختار: لا شيء إلَّا طردكم، لأنكم مغتصبون، أما الحرب فهي فرضٌ علينا وما النصر إلا من عند الله.

-غراتسياني: لما لك من نفوذ وجاه؛ يمكنك أن تأمر الثوار بأن يخضعوا لحكمنا ويسلموا أسلحتهم؟

-الشيخ المختار: لا يُمكنني أن أعمل أي شيء، وبدون جدوى نحن الثوار سبق أن أقسمنا أن نموت كلَّنا، الواحد بعد الآخر، ولا نسلّم أو نُلقي السلاح.

حينها استطرد غراتسياني حديثه: «عندما وقف ليتهيأ للانصراف، كان جبينه وضاء كأنَّ هالة من نور تُحيط به، فارتعش قلبي من جلالة الموقف، أنا الذي خاض المعارك والحروب العالميَّة، والصحراويَّة، ولُقبت بأسد الصحراء، ورُغم هذا فقط كانت شفتاي ترتعشان ولم أستطع أن أنبس بحرفٍ واحد، فانتهت المُقابلة وأمرت بإرجاعه إلى السجن لتقديمه للمُحاكمة في المساء، وعند وقوفه حاول أن يمد يده لمُصافحتي ولكنَّه لم يتمكن لأن يديه كانت مُكبلة بالحديد. لقد خرج من مكتبي كما دخل عليّ وأنا أنظر إليه بكل إعجاب وتقدير».

ورغم الحملة الإعلامية الشعواء التي واجهت عمر المختار ليتخلصوا منه، فرفع الناس أيديهم منه، ووصفوه بزعيم العصاة وغيرها، إلا أن التاريخ أبى إلا أن يسجل عمر المختار فيما بعد بأحرف من ذهب وليكون رمزا للأمة الإسلامية أجمع.

 


ولقد رثا أمير الشعراء أحمد شوقي عمر المختار بقصيدة من الشعر قال فيها:

إِفريقيا مَهدُ الأُسودِ وَلَحدُها ضَجَّت عَلَيكَ أَراجِلاً وَنِساءَ

وَالمُسلِمونَ عَلى اِختِلافِ دِيارِهِم لا يَملُكونَ مَعَ المُصابِ عَزاءَ

وَالجاهِلِيَّةُ مِن وَراءِ قُبورِهِم يَبكونَ زيدَ الخَيلِ وَالفَلحاءَ

في ذِمَّةِ اللَهِ الكَريمِ وَحِفظِهِ جَسَدٌ بِبُرقَةَ وُسِّدَ الصَحراءَ