في يوم الجمعة الموافق للثاني من ديسمبر من عام 1977م، أقلعت طائرة تابعة لشركة طيران البلقان البلغارية Balkan Bulgarian Airlines، أقلعت من مطار جدة الدولي (JED/OEJD)، متجهة إلى مطار بنينة – بنغازي (BEN/HLLB) وعلى متنها 165 إنساناً (159 راكباً + 6 من طاقم الطائرة).
الطائرة من نوع توبوليف TU-154A مسجلة برمز LZ-BTN، ومزودة بثلاثة محركات كوزنيتسوف NK-8-2U Kuznetsov، يحتوي هذا النوع من المحركات النفاثة على مروحة تعمل بواسطة توربين يُعطي دفعاً إضافياً. الطائرة وللأسف مشهورة بكثرة حوادثها (انظر في قائمة المراجع تقرير شبكة سلامة الطيران Aviation Safety Network: قائمة الحوادث)، والذي أورد أكثر من مائة حادث.

عند وصول الرحلة إلى مطار بنينة – بنغازي، تعذر الهبوط بسبب الضباب الكثيف، فقرر الطيار الهبوط في مطار طبرق العسكري، والذي تم اختياره قبل انطلاق الرحلة كبديل عن مطار بنينة في حالة وقوع طارئٍ ما بحسب تقرير الـ simpleflyin ، ولكن تعذر ذلك أيضاً، إما لنفاد الوقود قبل الوصول لمطار طبرق، أو لعدم استطاعة الطاقم التواصل مع المطار بسبب التغيير الدوري والمتواصل في الترددات اللاسلكية بمطار طبرق لكونه مطاراً عسكرياً.
لذلك، قرر الطيار الهبوط اضطرارياً. وقُبيل الهبوط استمر في الجو إلى أن نفد ما تبقى من الوقود، حتى لا تندلع النيران بالطائرة في حالة ارتطامها بالأرض، كما كانت الطائرة على ارتفاع منخفض، حتى يتم الاصطدام بالأرض بأقل الخسائر. وهكذا هبطت الطائرة اضطرارياً في حقل مفتوح تقول أغلب المصادر إنه قريب من قرية قرنادة. وليس بمطار طبرق كما سنفصل أسفله.
فيكيفية الهبوط بعد نفاد الوقود:
هبط الطيار اضطرارياً بحيث يلامس الجزء الخلفي من الطائرة الأرض قبل الجزء الأمامي، وتُعرف هذه الطريقة بــ أنف الطائر المرفوع، Landing Up Noise، وتتمثل في رفع مقدمة الطائرة إلى أعلى أثناء الهبوط، ما يؤدي إلى اصطدام ذيل الطائرة بالأرض قبل المقدمة، بهدف تقليل السرعة.
وهكذا: يبدو أننا أمام مشهد يُبشر بأقل الخسائر؛ نفاد الوقود تفادياً للحرائق، والطيران على ارتفاع منخفض، والهبوط بطريقة يُفترض أنها ستقلل من سرعة الطائرة، ولكن – وللأسف – كانت نتائج ذلك الهبوط كارثيةً، فقد انقسمت الطائرة إلى نصفين، انزلق النصف الأمامي مسافة نصف كيلو متر تقريباً من موقع الهبوط، وقُتل 54 حاجاً ليبياً من الذين يجلسون في النصف الخلفي من الطائرة، ونجا 106 ركابٍ، من بينهم طاقم الطائرة الستة، والذي نجا بأكمله، كما جُرح أغلب الركاب.
مطار طبرق، أم مطار الأبرق:
بالرغم من الإشارة إلى مطار طبرق في أكثر من تقرير ومقطع فيديو ومقال حول الكارثة، إلا أنه من المرجح أن الطيار كان ينوي الهبوط في مطار “الأبرق” أو “لبرق” كما نسميه، وليس مطار “طبرق”، فإحداثيات الموقع الذي تحطمت فيه الطائرة (32.10456°N 20.370432°E) والتي أقرتها أغلب التقارير، تدل على أن الطائرة تحطمت قريباً من مطار الأبرق، وبالتحديد في منطقة قرنادة كما أشرنا أعلاه.
تقع قرية قرنادة شمال شرق ليبيا بمنطقة الجبل الأخضر، جنوب مدينة شحات بحوالي 12 كيلو متراً تقريباً. أما مدينة طبرق فتبعد عن مدينة بنغازي بحوالي 480 كم. هذه المعلومات الخاصة بالمواقع الجغرافية، بالإضافة إلى الإحداثيات المذكورة أعلاه، تُرجح أن الطائرة سقطت أو هبطت قرب مطار “الأبرق” وليس مطار “طبرق.”
ولا يتعارض ذلك مع إشكالية تغيير الترددات اللاسلكية في المطارات العسكرية، فمطار الأبرق كان أثناء وقوع الكارثة، مطاراً عسكرياً ومدنياً في نفس الوقت، وقد أُنشئ في عام 1967م (في العهد الملكي) ويقع على بعد 18 كم شرق مدينة البيضاء. ثم خرج عن الخدمة لفترة بعد انقلاب سبتمبر، وعاد للعمل في عام 1986م كمطار عسكري ومدني، ثم أصبح مطاراً مدنياً منذ عام 1996.
أما مطار طبرق الدولي فيقع جنوب مدينة طبرق. وربما يكون الاحتمال الوحيد لذكر مطار طبرق (أو ربما قاعدة العدم سابقاً) هو أن الطيار قرر الهبوط بمطار طبرق في البداية، ولكن نفِد الوقود قبل أن يصل إلى هدفه، فهبط اضطرارياً، قريباً من قرنادة.
أخطاء وملابسات أخرى أدت إلى الكارثة:
-
كان المجال الجوي المصري مغلقاً أمام الطائرات الليبية، بسبب قطع العلاقات بين ليبيا ومصر (في عهد السادات) على خلفية الصدام العسكري والسياسي بين ليبيا ومصر في عام 1976م، أو ما يعرف بحرب الأيام الثلاثة، ما يعني أن الرحلة لم تنطلق من جدة إلى بنغازي في خط سير مباشر، بل اتخذت مساراً أطول من أجل تجنب الأجواء المصرية.
وللأسف لم يأخذ الطيار في الحسبان حقيقة إغلاق المجال الجوي المصري أمام الطيران الليبي، ما يمنع الرحلة من المرور عبر الأجواء المصرية، الأمر الذي يحتم ضرورة التزود بكميات أكبر من الوقود، خاصةً وأن من عيوب الطائرة التوبوليف 154 سوء أو انخفاض كفاءة استهلاك الوقود، وذلك كما ورد في تقرير الـAviation Safety .
-
وحتى لو لم يكن هناك حظر جوي مصري على الطائرات الليبية، فالرحلات الجوية في الغالب تتوقع أسوأ الاحتمالات (تعذر الهبوط لأي سبب كالضباب مثلاً، نفاد الوقود، خلل ما غير متوقع… إلخ). الطيار المخضرم يتوقع أسوأ الاحتمالات.
-
كما كان من المفترض – بحسب أحد المصادر – أن يتزود الطيار بالوقود في دمشق قبل مواصلة رحلته، ولكنه لم يفعل. يعزو البعض ذلك إلى تفادي دفع رسوم الهبوط بمطار دمشق، وارتفاع أسعار الوقود في دمشق، مقارنةً بأسعارها في مطار بنينة – بنغازي، ما جعل الطيار يقرر التزود بالوقود في بنغازي، بهدف تقليص النفقات، ما يزيد من أرباح الشركة. البعض الآخر يعزو ذلك إلى سوء تصرف أو إدارة من الطيار الذي اتخذ القرار الخاطئ بعدم التزود بالوقود في دمشق.
-
وكان من المفترض – من جهة أخرى – أن يكون الطيار على علم مسبق بالأحوال الجوية، وليس عند لحظة الوصول إلى المطار، العلم المبكر بالأحوال الجوية يوفر للطيار فرصة لإيجاد بديل ما، أو حلاً مبكراً، بدلاً من استهلاك الوقود في الوصول إلى مطار بنينة ليجد أن المطار يغطيه الضباب الكثيف فيتعذر الهبوط وتقل كمية الوقود.
-
لم يُشَر في أي من التقارير إلى أن كافة الركاب الـ 159 من الحجيج أم أن هناك ركاباً من غير الحجيج أو من جنسيات أخرى غير ليبية.
-
كما يوجد تضارب حول الوجهة النهائية لرحلة الحجيج، بعض المصادر تقول إن الرحلة قاصدة طرابلس، ومصادر أخرى تقول إن الرحلة قاصدة مطار بنينة، ما يدل على ضعف التوثيق المهني من السلطات الليبية في ذلك الوقت. والمرجح أن الوجهة النهائية للرحلة، كانت مدينة طرابلس، ولكن بعد أن تمر على مطار بنينة – بنغازي ليهبط منها حجيج المنطقة، ثم تواصل رحلتها إلى طرابلس.
-
لم يُشَر في أي من التقارير إلى تعويضات أُعطيت لأهالي الضحايا. لم أجد حديثاً عن التعويضات.
-
لم يُشَر في أي من التقارير إلى محاسبة طاقم الطائرة أو الشركة البلغارية على الاستهتار الواضح في عدم حساب الأسوأ، وتجاهل الطيار أو الطاقم لحقيقة إغلاق المجال الجوي المصري أمام الرحلات الليبية من وإلى مصر، وكذلك عدم طلبه مبكراً تقريراً حول الأوضاع الجوية فوق مدينة
بنغازي.