هذه رسالتي إلى الجميع إلى المجلس الرئاسي والبرلمان ورئاسة الوزراء والوزراء وكافة المسؤولين بمختلف مناصبهم وأماكنهم، وقبل وفوق ما سبق هذه رسالة إلى المواطنيين الكرام في كافة أنحاء ليبيا.

معارك عديدة فرعية وثانوية وهامشية وجانبية تدور في ليبيا.. تستهلك وقت وجهد ومقدرات الوطن.. يستنفذ فيها المسؤولين والمواطنيين جهدهم ووقتهم ومقدراتهم.. ولكن هل هذه المعارك حقا تستحق كل هذا الوقت والجهد أم أنها عبث وقصر نظر وضياع الجهد والوقت وضياع الوطن.

اليكم المعارك الحقيقية الحساسة الرئيسة التي يجب أن نبذل فيها الجهد والمال والقدرات والوقت من أجل أن نصل إلى بناء الوطن:

معركتنا الرئيسة الحساسة سادتي الكرام هي أن ندرك قيمة وطننا ليبيا، وأنها قطعة من الجنة على الأرض. ليبيا أرض واسعة كبيرة شاسعة؛ ثروات وخيرات ومزارع وثمار، مدن عريقة وصحاري وقرى وأرياف، موقع إستراتيجي حساس اقتصاديا وأمنيا وسياسيا، بوابة العالم لأفريقيا، وبوابة افريقيا نحو العالم، جار للمشرق والمغرب، ثروات هائلة لا أول لها ولا آخر، مخزون خيالي من احتياطي النفط.، 48 مليار برميل نفط، ساحل بطول 1900 كم على البحر الأبيض المتوسط، ثروات هيدروكربونية وحيوانية، ثروات لا متناهية في أعماق بحارنا.

أضف إلى ذلك خليط رائع من لهجات ولغات وقبائل وعادات وتقاليد وثقافات وأعراق؛ أمازيغ وتبو وطوارق وعرب. قطعة من الجنة على الأرض. العالم بأكمله يعرف قيمتها، إلا الليبيون، باستثاء من رحم الله.

معركتنا مع التقلبات الغبية الفجائية لشريحة كبيرة من أصحاب المناصب والسياسيين والمثقفين والكتاب والصحفيين وغيرهم ممن يسمون بالنكب، وحتى بعض قادة الكتائب وما يسمى بالمليشيات. تقلبات في التحالفات والمواقف والمباديء والتوجهات. تقلبات أربكت الناس وزعزعت الاستقرار، وافقدت الناس الثقة في نخبهم، واربكت بالذات الشباب والأجيال الجديدة، وخلقت صورة سوداوية غامضة حول المشهد السياسي في ليبيا، واثبتت عدم صدق وإخلاص وكفاءة أغلب من كنا نظنهم نخب أو قادة أو مسؤولين.

معركتنا الحقيقية هي معركة تطوير وتحديث قطاع الصحة في وطننا والرقي به، من أجل أن يجد المواطن حاجاته بل ابسط حقوقه الصحية في دولته، اأبسط حقوقه من أدوية وعيادات ومستشفيات محترمة منظمة نظيفة، وأجهزة طبية وخدمات إنسانية راقية. خدمات تقدم للمواطن بكل احترام وتقدير وبدون منّ وتعب وشقاء، فهذه ابسط حقوق الانسان. ومن العار أن يغادر مريض وطنه للعلاج في بلد آخر أقل منه جامعات ومال وثروات. واستمعوا – إن شئتم – إلى معاناة من يعاني من أمراض الكلى والأورام والعيون، يشتكون ويعانون ويتحدثون وكأنهم يتسولون في بلد المليارات.

معركتنا أن نحارب أدبيا وبشراسة، السموم الثلاثة القبلية والجهوية والعرقية. تلك السموم التي أصبحت مرضا مزمنا عضال، يعاني منه الوطن، بل أصبحت هذه السموم ورم خبيث لابد من استئصاله إن أردنا أن يبقى لنا حاضرا ومستقبلا ووطنا.

معركتنا الشرسة الحقيقية هي معركة ضد عبادة الفرد ذلك المرض المقرف المزري المقيت، ذلك السلوك القذر الذي لا يمارسه الا الأقذر من المرض نفسه، تلك الممارسة التي لا يمارسها ولا يقبلها إلا العبيد ومرضى النفوس والعقول، تمجيد وغناء ومدح وإطراء وقصائد شعر ومقالات محشية لقاقة وتدحنيس ولحاسة، مدح في مجرمين فسقة قتلة فساد.

نخب ومتعلمين وكتاب وصحافيين وأساتذة وما يسمى بشيوخ القبائل وعلماء سلطان، يمجدون ويطبلون ويزمرون لطغاة قتلة ظالمين عملاء عاشقين للسلطة مغتصبين لحقوق الناس أياديهم ملطخة بدماء المسلمين الوطنيين الليبيين.
معركتنا هي معركة استيعاب قطاع عريض، وعريض جدا، من الآلاف المؤلفة من الشباب، أبناء وبنات، من العاطلين عن العمل في دولة المليارات، شباب يعملون بالآلاف في المقاهي والمطاعم والمتاجر ومحلات الحلاقة والتاكسيات، وغيرها من أعمال، وكلها مهن شريفة، ولكنها لا تناسبهم، فمواقعهم في خدمة الوطن غير هذه المواقع.

معركتنا أن نصنع، أن نخلق، أن نطور سوق عمل يشملهم ويضمهم، ويشمل ويضم أيضا من تخرج أو سيتخرج من الجامعات كل عام. مشاريع اقتصادية تضم آلاف الشباب، قروض تجارية، تعيينات، تدريب، بعثات.. إلخ.

معركتنا هي معركة ضد التدخل الأجنبي البشع، وطننا مستباح سياسيا وأمنيا وعسكريا، فجزاء الله من أحنى ظهره وتحول إلى حمار طروادة. الدول الخارجية البعض منها يرى بلادنا مدخلا للوصول إلى ثروات أفريقيا، والبعض منها ينظر لبلادنا كتهديد قومي لبلاده، بالرغم من أنهم يمتصون خيراتها، والبعض يراها وطنا للمهاجرين وطالبي اللجوء من كل حدب وصوب، البعض يراها موقعا لتهديد أوروبا، وأوروبا تراها موقعا يهددها، والبعض من الداخل يراها مزرعته يستضيف ويوطن فيه من يشاء من يشاء من ملايين البشر.

ناهيك عن قواعد عسكرية هنا وهناك، في أكثر من منطقة في ليبيا واخطرهم واقواهم واصلبهم واصعبهم وأكثرهم طموحا روسيا بقواعدها وضباطها واسلحتها وطيرانها، ودعمها لأطراف ليبية لا تريد الخير للوطن، بل تريد أن ترسخ حكم عسكري في ليبيا لنعود بعد كل هذه الدماء إلى العصر الحجري وما فيه من قمع وشنق وتعذيب ومعتقلات وسجون وإذلال واعتقالات. والمشاهد والشواهد والأمثلة الحية أمامكم، صور لإذلال البشر ومقاطع فيديو أراد الله لها ان تتسرب. ومن جهة أخرى، ألم يصل التدخل السافر والوقاحة وقلة الأدب بحاكم عربي أن يصرح بأن إحدى المدن الليبية (سرت) خط أحمر.

تدخل سافر من كل من هب ودب، تدخل بالمال والسياسة والمؤامرات والسلا، بل وبفتاوى شيوخ السلطان، عبر تشريع سفك دماء الليبيين. جيش من الدول لا أول لها ولا آخر، تبحث عن موطيء قدم في وطننا حتى على حساب دمار بلدنا وشعبنا.

ناهيك عن تسليم مقاليد بلادنا لبعثة الأمم المتحدة التي فشلت حتى الآن في زحزحة الحالة الليبية قيد انملة، البعثة تنتظر أن يتوافق المجتمع الدولي بما يحمل من تناقضات حول قضية ليبيا، وتنتظر في نفس الوقتأان يتوافق الأطراف في الداخل، معادلة شبه معجزة إذا تحققت. يتوافق المجتمع الدولي وتتوافق الاطراف الداخلية.
معركتنا أن ننتزع قضيتنا من البعثة الأممية وأن نُعيدها إلى مكانها الأصلي، وسيط وداعم، وليس وصي وحاكم.

معركتنا الأساسية الحقيقية مع من يريد أن يضع الإسلام في ثلاجة. أو أن يسلمه أسيرا مقيدا لدى علماء السلطان ليحرم الناس من جواهر الإسلام. معركتنا مع من يريد أن يُسمم الإسلام في وطني، أو يرسله إلى زحل وعطارد حتى يغرد خارج سماء الوطن. معركتنا مع من يريد أن يغتال المساجد فيناقش فيها فروع الفروع، يهمش الكبائر ويضخم البدع، يطمس دور المسجد في غرس قيم الخير التي تجمع الناس وتحث على حب الوطن وحب العمل واتقان العمل واصلاح المجتمع ومحاربة الظلم والقهر والاستبداد وظلم البشر وقهره، ونشر المودة والمحبة والتقدير بين المواطنيين، وحرمة الدماء، واحترام العلماء، ونشر ثقافة البناء والإصلاح، بناء الإنسان عبر المساجد وإصلاح البشر والعباد والوطن، وغيرها من قيم الخير، هذا هو دور المسجد. معركتنا أن نعيد إلى المساجد دورها.

معركتنا الشرسة مع من يتكالبون علينا من كل حدب وصوب يريدون أن يغسلوا أدمغتنا ويفرغوها من كل شيء، يريدون أن يطمسوا فينا كل شيء؛ مناهجنا المدرسية، مذاهبنا، عاداتنا، تقاليدنا، أعرافنا، فنوننا، بل وصلوا حتى إلى ازيائنا الوطنية، يريدون تغييرها، بل وحتى لهجاتنا عبر تقليد ضعاف النفوس في بلادنا للهجات غير ليبية لطمس هويتنا، وكأن الحديث باللهجة الليبية، لهجة أبائنا وأمهاتنا، كل حسب لهجته، تخجله أو تحشمه.

وهكذا: يريدون أن يسلبو منا كل شيء لهجاتنا عاداتنا تقاليدنا اعرافنا الإيجابية أزيائنا الوطنية بمختلف جهاتنا وقبائلنا وأعراقنا. بل حتى مذاهبنا يريدون أن يطمسوها، ليحلو محلها مذاهب بلدانهم، يريدون أن يسلبو منا حتى مرحنا وابتسامتنا وافراحنا.

معركتنا الحقيقية هي إصلاح وتطوير وتحديث التعليم والرقي به، بداية من مراجعة وتطوير وتحديث وتنقية مناهجنا لتصبح مناهجا فعالة مرتبطة بقيمنا وتقاليدنا وعاداتنا ومجتمعنا ومعتقداتنا، مناهج معاصرة حديثة تنتج طالبا عاملا مجدا قادرا على خدمة وإصلاح وقيادة المجتمع، مع تأهيل المعلمين وتدريبهم ليصبحو معلمين رساليين فعالين مربيين رواد ناجحين، بالإضافة إلى إدراك قيمة ومكانة وأهمية الطالب والتلميذ، واعتبارهم المحور الرئيسي للعملية التعليمية والثروة الأكبر للوطن.تعليم يُخرج قادة مخلصين أمناء للوطن.

معركتنا الأساسية في وضع مشروع وطني، طويل المدى يصلح البلاد والعباد مشروع ذو رؤية مستقبلية شاملة واعدة لأجيالنا القادمة. وللأسف ساساتنا وقادتنا بل وبعض نخبنا غارقون في معارك ردود الأفعال المؤقتة، يستنفذون جهدهم ووقتهم وطاقتهم في معارك جانبية ثانوية فرعية هامشية، مع غياب مشروع وطني شامل.

جهود من يتصدرون المشهد السياسي والأمني والعسكري ضائعة في معارك يومية مؤقتة أغلبها – مرة اخرى – ردود افعال، أو ما يسمى بلهجتنا بونتة، أو تحالفات فجائية غبية فرضها موقف ما، أو حدث ما، مع سيطرة عقلية حل المشكلة بمشكلة أكبر منها.

معركتنا أن نقنع ذوي الوجوه المصفحة أن لا يقبلوا تكليف ليس من تخصصهم او مجالهم أو من صلب مهنتهم. معركتنا أن نضع الرجل المناسب في المكان المناسب في الوقت المناسب، وإيقاف عبث التعيينات والتكليفات العبثية العشوائية التي دمرت المؤسسات في ليبيا، سوى كانت مؤسسات متوحدة أو موازية.

وزارات وسفارات ومؤسسات حساسة كثيرة، يتولى أمرها، من لا يصلح لها، ومن ليس بأهل لها. بعضها بهدف المحاصصة البغيضة، وبعضها بسبب القرابة، وبعضها بسبب الوساطة، ويا ليتها كانت وساطة ومحاصصة عادلة يكلف عبرها المقتدر المهني القادر على اداء مهام المنصب.

معركتنا أن نفرض دستور يجمع شملنا جميعا ينظمنا ويحافظ على مصالحنا ويرسم بيننا العلاقات والحقوق والواجبات والمهام.

معركتنا هي معركة الحفاظ على كرامة المواطن التي وهبها له الله سبحانه وتعالى، الحفاظ على كرامته وحقوقه وأمنه، وحماية كافة حقوقه المادية والمعنوية والإنسانية، رواتبه التي اصبحت كالمن، حماية املاكه، فالملك مقدس في الإسلام، احترامه كإنسان وعدم إذلاله أو قمعه أو تعذيبه أو قتله.

معركتنا تكمن في تأسيس أجهزة أمنية في خدمة المواطن والوطن وليست فقط في خدمة النظام لتتحول إلى عصا أو أداة قمع وتنكيل وتخويف وإرهاب للمواطن. أجهزة أمنية في خدمة الإنسان وليست أجهزة قمعية في خدمة الأنظمة القمعية المستبدة.

معركتنا في تأسيس جيش حديث تقنية وعقول وعقيدة، يقوده أناس معاصرون، وليس بشر من الثلاثينات، جيش يحمى الوطن والمواطن والدستور. جيش لا يتحول الى آلة قمع ضد المواطن والوطن.

أخي المواطن، أختي المواطنة، إن كانت معاركك هي معاركي فلنضع أيدينا في أيدي بعضنا البعض من أجل خدمة وطننا، وإن كان لك معارك جانبية أو شخصية أو معارك من أجل المناصب والنفوذ والقبلية والجهوية والعرقية والمصالح والمال ومعارك ردود الأفعال والانتقام والحقد والتشفي ومعارك لا علاقة لها بالوطن والوطنية فابقى في مكانك ونلتقي يوم القيامة.

معركتنا أن يستوعب بعضنا البعض، لا أن يُدمر بعضنا البعض، فيدمر الوطن. والله من وراء القصد.

فتحي الفاضلي
19-05-2025م

مشاركة