﴿بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾
(بيان دار الإفتاء الليبية بشأن ما جرى للمسلمين في نيوزيلندَا)
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
وبعد؛
فإن دار الإفتاء لتُعربُ عن بالغ الحزن والأسى، لِما حلَّ بالمسلمين في بعضِ مساجدِ نيوزيلندا، من الهجوم الغادر والعمل الإرهابي، الذي ذهب ضحيته العشرات من الشهداء والجرحى مِن الأبرياء، أثناء قيامهم في بيوت الله، لآداء فرضٍ مِن فرائضِ الإسلامِ، وشعيرةٍ مِن أعظمِ شعائره.
وإذْ تعزِّي الدارُ في هؤلاء الشهداءِ، وتسأل اللهَ الشفاءَ للجرحى، والأمنَ والأمانَ لسائرِ المسلمينَ أينما حلُّوا، فإنّها تذكّر بما يلي:
1- إنّ ما جرى لم يكن أمرًا عارضًا، ولا عملًا منفردًا، ولا عن خلَلٍ في فاعليهِ، بل هو ثمرةٌ لثقافةِ العنفِ والكراهيةِ، التي يُنظِّر لها مفكرونَ في بلادِ الغربِ، ضدَّ الإسلام وأهلهِ، وتنشرها وسائلُ الإعلامِ وأدواتُ التواصلِ الاجتماعي.
2- إنّ هذا العملَ جاءَ تتويجًا لاعتداءاتٍ متعددةٍ على المسلمينَ ومساجدِهم، في الغرب المسيحي، وله ما وراءهُ، إذ يُعدُّ أهمَّ محطةٍ في الحربِ على الإسلامِ وأتباعِهِ.
3- إنّ هذا العمل يبدُو متميزًا في أسلوبِ التنفيذ، والأدواتِ، والشعاراتِ، والمبرراتِ التي تبنّاها منفذُوهُ، ما يشير إلى منهجٍ منظمٍ يثيرُ الكثيرينَ إلى محاكاتِهِ في تلك الأقطارِ، الأمر الذِي يشكلُ خطرًا حقيقيًّا على مواطنِي تلك البلدانِ مِن المسلمين.
4- إننا نخشَى أن يدفع هذا الهجومُ الإرهابيُّ إلى ردَّاتِ فعلٍ، مدمرةٍ للسلمِ في هذا العالم، خصوصًا إذا ضُمَّ إليه الظلمُ الواضحُ للشعوب الإسلاميةِ، والكيلُ بمكيالينِ إذا تعلقَ الأمرُ بحقوقِ المسلمينَ ومصالحِهِم.
5- إنّ الديمقراطية التي يتفاخرُ الغرب بها، تقوم على المواطنةِ مجردةً عن الهويةِ الدينيةِ، ولكن إذا كانَ المستهدَفُ مسلمًا استُدعِيَ العاملُ الدينيُّ مِن أعماقِ التاريخ؛ لتُربَ الديمقراطيةُ في جوهرِها وأخصِّ خصائصِها، فينكشفَ عوارُها، وتظهَرَ حقيقتُها.
وقد رأينا مِن حكامِ تلكَ البلادِ مَن يكشفُ عن حقيقةِ ثقافتهِ، حينَ يمنعُ المهاجرين السوريينَ مِن دخولِ بلادهِ، كي لَا يشوِّهُوا النقاءَ المسيحيَّ فيها على حدِّ قولِهِ، كمَا رأينا مِن حكامِهم مَن يتكلمُ بمنطِقِ الحربِ الصليبيةِ في مواقفَ أخرَى.
6- إننا نستنهضُ في الشعوبِ الإسلاميةِ رابطةَ الإسلام، وأخوةَ الإيمانِ؛ ليتداعَوا بالسهرِ والحمّى لِما أصاب إخوانَهم، وما يصيبُهم مِن احتقارٍ واضطهادٍ، وليقوموا بما فرضَ الله عليهم مِن واجبِ النصرةِ، بالبياناتِ والتظاهرِ والمقاطعةِ، وغيرِها مِن كلِّ وسيلةٍ ممكنةٍ، والضغطِ على الحكامِ لاستعمالِ كلِّ الأوراقِ المؤثرةِ، سياسيًّا واقتصاديًّا وثقافيًّا واجتماعيًّا.
7- ننبه حكامَ المسلمينَ إلى ما أوجبَ الله عليهمْ، مِن حماية المسلمينَ، والدفاعِ عنهم أينما كانُوا، في دينِهم وأبدانِهم وأموالِهم وسائرِ حقوقِهم، وليعلمُوا أنَّ الله تعالى سينصبُ لهم يومَ القيامةِ ألويةً تكشفُ سرائرَهم، وتفضحُ غدرَهم، وأنه سائلُهم عن كلّ ما استرعاهُم مِن نقيرٍ وقطميرٍ.
8- نذكرُ علماءَ المسلمينَ بالقيام بدورهم في توعية المسلمين بما يحاك لهم، ونخصُّ مِن العلماء مَن قربَهم السلاطين، أن يتقوا الله فيما عرفُوا من الحقِّ، الذي أخذ الله عليهم بيانَه، ولا يرضوا لأنفسهم دورَ المنظّرِ لأفكارِ الحكامِ، والمبرّرِ لأفعالهمْ، فإنّ الله تعالى يقول: (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ)( آل عمران187 ) .
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
دار الإفتاء الليبية
صدر في: 9/رجب/1440هجرية
الموافق: 16 /3 /2019م