إن ما تعانيه بلدنا ليبيا خصوصاً والعالم الإسلامي عموماً هي فوضى الفتاوى غير المنضبطة، والتي تصدر عن شباب غِرٍّ، أو عالم سلطان قد ربط مصيرَ بقائه في منصبه أو الاستفادة ممن في السلطة بالفتاوى المسيّسة التي يرضى عنها الحاكم.
والمتصدّرون للفتوى اليوم أغلبُهم شبابٌ قد تزببوا قبل أن يتحصرموا، ولم يعرفوا من العلم إلاَّ قليلاً، ولم ترسخ بَعْدُ أقدامُهم في العلم ليتأهلوا بعدئذٍ للفتوى في المسائل التي تمس حياة الناس اليومية _ فضلاً عن الفتوى في النوازل والمدلهمات؟!
وقد وضع الفقهاء قديماً شروطاً لمن يتصدّر للإفتاء، قَلَّ مَن تتوفّر فيهم تلكم الشروط، لأن الفتوى في حقيقتها هي الإخبار والتوقيع عن رب العالمين، قال تعالى ( ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب) الآية… سورة النحل. فقد كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يتدافعون الفُتيا، كلُ واحد منهم يتمنى أن يكفيه الآخر الفُتيا وتبعاتِها في الدنيا والآخرة، أما اليوم فنرى تدافعاً بين شباب لم يسمع بأمهات الكتب _بله عن قراءتها ولم يعرف من المذاهب المعتبرة إلا قليلاً، ولم يستقم لسانه بالعربية، ولم يتقن أصول الفقه، ولم تشب لحيته في العلم، وربما لم تنبت له لحية، وقد سمع دروساً صوتية لمشايخ يُحبهم، فصار مفتياً في الدماء والنوازل!!

يزعمون أنهم لجنة عُليا للإفتاء


والحلال والحرام، والطلاق وحتى في مسائل قد يعجز عنها الفحول من أهل العلم فيتصدَّر لها تشهيا وشُهرةً وحبَّ ظهور أو غير ذلك ؟!! فتسبّب ما تسبب من وراء فتاواه، فسالت الدماء وانتُهكت الأعراض، وأُزهِقت الأرواح، وتمزّق بها النسيجُ الاجتماعي، كما رأينا ونرى ممن يزعمون أنهم لجنة عُليا للإفتاء، أو ممن تصدّر لأنه موالٍ لشيخ سعودي قد مدحه، أو خشي على سُمعته من التجريح من أتباعه وجماعته فأفتى بما يتماشى مع طائفته ومجموعته وشيخه السعودي أو المصري !! فضلَ وأضل، وسيسألهم الله عما كانوا يقولون عن دين الله وهم ليسوا بأهل لذلك

علماء عُرفوا بعلمهم


وقد تجاهل كثير من الأغرار فقهاءَ ليبيين قد درسوا الفقه المالكي المعروف بالاعتدال والوسطية، ممن يقومون بواجبهم في مؤسسة دار الإفتاء التي لا تخضع للضغوطات الدولية ولا المحلية، وإنما علماء عُرفوا بعلمهم وتقوى الله سبحانه وتعالى. وتنطبق عليهم شروط الفتوى التي وضعها الفقهاء من علماء الأمة قديما. فمتى سنعرف قدر العلماء الحقيقيين ونترك الأغرار المتهورين الذين تُحركهم أجندات ومخابرات سعودية ومصرية وربما فرنسية روسية، كما رأينا تبريرهم لما قام ويقوم به الروس الملحدون في بلادنا من قتل لليبيين وتدمير مواردهم وممتلكاتهم. والله المستعان.

العجيلي العجيلي