لا ذنب للطلاب في قلة أو تأخر رواتبنا، ولا علاقة لهم بغلاء المعيشة، ولا ذنب لهم بقرارات مجحفة في حق المعلم أصدرتها المدرسة أو المعهد أو الكلية أو الجامعة أو الدولة.
الطالب لا ذنب له في مشاكلنا العائلية، ولا ذنب له في بعد مساكننا عن مكان العمل، أو في صعوبة وصولنا إلى المدرسة أو الجامعة، لا ذنب للطالب – على الإطلاق – في تأخر ترقياتنا وعلاواتنا، وحالتنا الصحية، وكيد مدير المدرسة أو تقصير الجامعة أو الوزارة أو الدولة.
المعلم الفعال:
المعلم الفعال يترك مشاكله خارج الفصل، وبمجرد أن يخطو خطوة واحدة داخل الفصل أو القاعة أو الصف، سرعان ما يتقلد شخصية جديدة خالية تماما من المشاكل.
المعلم الفعال لا تصاحبه – داخل الصف – مشاكله المالية والصحية والعائلية والاجتماعية، لا يصاحبه إحساسه بالظلم والغبن والتهميش، لا تصاحبه تبعات الإرهاق، أو المظالم أو المضايقات أو الخصومات، أو الإحباط بسبب فشل في أمر ما خارج المدرسة أو المعهد أو الكلية، لا يصاحبه بصفة عامة، أي سبب قد يجلب الحزن والتوتر والضيق.
المعلم الفعال يُدرك أنه لا ذنب للطالب، فيما ذكرناه من معاناة المعلم، فليس من العدل أن يدفع الطالب ثمن حزن أو غضب أو إرهاق أو توتر المعلم، وليس من العدل – على سبيل المثال – أن ينفجر المعلم في وجه الطالب، أو الصف بأكمله، بسبب مشاكله الشخصية التي لا دخل للطالب فيها.
المعلم الفعال يترك كل ذلك خارج قاعة الدرس أو المحاضرة، بل لا يدخل – أصلا – إلى الصف إذا أدرك أنه غير قادر – في ذلك اليوم – على التغلب على توتره أو غضبه أو حزنه أو إحباطه؛ لأنه يدرك أن كارثة تربوية ربما تنتظر الطلاب بسبب توتره، وقد يهدم المعلم في تلك الحصة، ما كان يبنيه طوال السنة أو طوال الفصل الدراسي من تعامل راق وعلاقات طيبة مع طلابه.
المعلم الفعال يدرك كل ذلك، فيدخل للصف نشطا بشوشا متحمسا، بالرغم مما يعانيه، فالتمثيل جزء من مهنة التدريس، فلابد أن نتظاهر – معلمون وأعضاء هيئة التدريس – داخل الصف بأننا سعداء، فنتعامل مع طلبتنا وكأننا خاليين تماما من المشاكل والظروف والصعوبات، نضحك ونبتسم ونمرح ونعمل بجد وإتقان وإخلاص، بالرغم من الآلام التي نعانيها، هكذا تتطلب الأمانة، وهكذا تتطلب الرسالة، وهكذا يتعامل المعلم والأستاذ وعضو هيئة التدريس الوطني المخلص الفعال.
حق المعلم لا إفراط ولا تفريط:
وبالطبع – من حق المعلم – أن يصب جام غضبه – إن أراد ذلك – على من سبب له ذلك، ولكن ليس من حقه أن يلوم أو أن يصب غضبه على الطلاب والتلاميذ، أو أن يقصر في أداء مهامه وأمانته ورسالته، وليس من حقه مرة أخرى أن يسلك سلوكا – داخل الصف أو قاعة المحاضرات – يعكس ما يعانيه خارج الصف، فذلك سلوك المعلم الفاشل. والله من وراء القصد.
د. فتحي الفاضلي
كلية التربية – طرابلس – جامعة طرابلس.
02-10-2019م