حين فقدوا أمل العثور عليه وبعد عناء البحث الذي دام لأكثر من شهر، أخيرا تعرف ذوو عبد السلام الترهوني على مكانه، لكن بصورة غير متوقعة، مكبل اليدين والرجلين، على جسمه آثار التعذيب، يروي أحمد خليفة صهر الترهوني أن مجموعة ملثمة ومسلحة اقتحمت منزل العائلة في بنغازي وسألت عن عبد السلام. تعرفوا عليه ونقلوه إلى مكان مجهول.
وبعد انتشار صور قتلى مجزرة الأبيار، طلب والد عبد السلام من اثنين من أقاربه الذهاب إلى المشرحة للتأكد مما إذا كان ضمن القتلى. نعم لقد كان هو بنفس الملابس التي كان يرتديها حين اعتقلوه. شاهدا إصابات بطلقات نارية على جبينه ورجله وكتفه تسببت في تحطم عظامه.
للقارئ أن يتخيل مدى الأسى والفزع عندما سمعت العائلة بخبر ابنها طريح التراب مكبلا ومعذبا ومقتولا، عبد السلام البالغ من العمر 37 عاما، متزوج وله طفلان، قاطن في منزل عائلته في الليثي، كيف تلقت الأم الخبر، وكيف حال زوجته، بل ما مصير أطفاله، أقامت أسرته العزاء، ولكن بعد نصف ساعة اقتحم رجال مسلحون موالون لحفتر المنزل الذي كان مكتظا بالناس، المشهد كان عنيفا لا رحمة فيه، بدأوا يطلقون النار في الخارج ويصرخون لا يجب أن تقيموا العزاء عليه، أمامكم دقائق حتى تغادروا المنزل.
يضيف خليفة متسائلا عن سبب القتل وعن كل هذه الوحشية أن عبد السلام لم يكن مقاتلا، ولم يُشارك حتى في ثورة 2011 أو أي قتال عسكري بعدها.
لم يكن عبد السلام لوحده في هذه المجزرة، ولم تكن العائلة الوحيدة التي فجعت بهذا الخبر، بل كان معه 36 مدنيا أعزل، قامت مجموعة تتبع لحفتر في فجر السادس والعشرين من أكتوبر 2017 بإطلاق النار عليهم جميعا وهم مقيدو اليدين في ضواحي مدينة بنغازي وتحديدا قرب قرية الأبيار.
قال إريك غولدستين، نائب مديرة قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: “تعهدات الجيش الوطني الليبي بالتحقيق في عمليات القتل غير القانونية المتكررة في مناطق سيطرته شرقي ليبيا لم تؤد إلى أي نتيجة حتى اليوم. إذا كان التعهد بالتحقيق في هذا الاكتشاف البشع في الأبيار مجرد وعد فارغ آخر، فسيكون قد تغاضى عمّا يبدو أنها جرائم حرب”.
وأضاف: “كبار قادة الجيش الذين لا يتعاملون بصرامة مع الانتهاكات الخطيرة التي تحصل في أماكن خاضعة لهم، ولا يحاسبون المتورطين فيها، يجب أن يخضعوا لملاحقة جنائية بتهمة المشاركة في جرائم حرب”.
واليوم بعد مرور عام كامل على هذه المجزرة، يتساءل حقوقيون إلى أين وصل ملف التحقيق، وهل هناك حقا قضاء في مدينة بنغازي يحرك سكون مياه جرائم ما يسمى بعملية الكرامة المتكررة، لتذهب هذه المجزرة مخلفة تساؤلا لدى عائلات الضحايا عن مدى مصداقية هذا الجيش الذي قدم وعودا كثيرة لأهل بنغازي بأنه سيقضي على الجريمة وينهي القتل غير القانوني في المدينة، ويعيد الأمن والأمان لبنغازي الجريحة