منذ الخمسينات وإلى يومنا هذا، والمرأة الليبية جزء من المجتمع الليبي في جميع المجالات (صحفيات ومذيعات ومحاميات ومعلمات ومربيات وممرضات وطبيبات وموظفات ومديرات أعمال، وداعيات، وعضوات هيئة تدريس في الجامعات، وكاتبات وشاعرات وأديبات وناشطات (اجتماعياً وسياسياً)، ومناضلات، ومجالات عديدة أخرى، بالإضافة إلى أقدس رسالة (أمهات وأخوات وذرية وزوجات).
دور المرأة في الوقت الحالي:
كما أنَّ مشاركتها في هذه المرحلة، في الجانب السياسي وفي صناعة القرار واضحة جداً، فهن وزيرات وعضوات في المجلس الانتقالي، والمؤتمر الوطني، ومجلس الدولة، والبرلمان، وهيئة الدستور، وعضوات أيضا في أحزاب ومنظمات للمجتمع المدني، وغير ذلك من مناصب ومسؤوليات ومشاركات حساسة.
بالرغم من كل ذلك تواصل بعثة الأمم المتحدة التركيز على المرأة الليبية، فتحدثنا ليلاً ونهاراُ، عن حقوق المرأة… دور المرأة… مشاركة المرأة… المساواة بين الجنسين… تمثيل المرأة… حماية المرأة… دعم المرأة… وغير ذ لك من شعارات.
نساء درنة وقنفودة .. واختطاف سرقيوة:
ليس ذلك فحسب بل إن ردود فعل البعثة ومتابعتها لقضايا اضطهاد المرأة في ليبيا، كانت ردود فعل باردة، لا ترتقي إلى معشار ما ترفعه من شعارات واهتمامات، عشرات النساء الليبيات يقبعن في السجون، يتعرضن إلى ممارسات يندى لها الحجر والحديد والصخر، وتكتفي البعثة بالإشارة إليهن بخجل وعلى استحياء (قلع ملامة) في تقاريرها.
نساء ليبيات وفتيات قُتلن على مرأى ومسمع البعثة في قنفودة ودرنة وبنغازي ومناطق أخرى، ولم نسمع للبعثة همسا ولا ركزا، تعامل بعثة الأمم المتحدة مع هذه القضايا وغيرها تناقض ما تدعيه البعثة من اهتمام وحرص ودفاع عن المرأة الليبية، بل تدل على إهمال واضح وكذب وعدم مبالاة.
وماذا كان رد فعل البعثة، على سبيل المثال، تجاه إرهاب واختطاف وإخفاء السيدة سرقيوة (المرأة)، ألم يكن رد فعلهم أبرد من كبيرهم الذي علمهم البلادة، ليس ذلك فحسب، بل وصل الأمر إلى التواطؤ والكذب والتغطية على الجريمة، لقد ورد في تقرير الأمين العام للأمم المتحدة، والذي قدمه في أواخر أغسطس الماضي، إنَّ اختطاف سرقيوة جاء – فقط – خطوة لإبعاد المرأة عن المشاركة في العمل السياسي، كذب ودجل وفضيحة وتضليل للرأي العام وتضليل لأعضاء مجلس الأمن وعرقلة للعدالة وخيانة للأمانة، ويجب أن يُقدم من كتب التقرير إلى المحاكمة، بل إن المسؤولية تطال دائرة أوسع في البعثة إلى ليبيا وفي الأمم المتحدة.
تناقض غريب:
مواقف البعثة تجاه المرأة الليبية وتجاه قضية السيدة سرقيوة (مثال حي) تتلخص في التغاضي والضعف والتهميش، والبرودة والتناقض والإهمال، ما يناقض ما يدعون إليه من اهتمام بحقوق المرأة ودعمها ومشاركتها في العمل السياسي.
والسؤال الذي يفرض نفسه على المشهد الليبي اليوم، ما هي مجالات المساواة أو عدم المساواة التي تتحدث عنها بعثة الأمم المتحدة ليلاً ونهاراً؟ وبكلمة أخرى، ما هي مجالات المساواة التي ترغب بعثة الأمم المتحدة في أن تساوي فيها بين الرجل والمرأة في ليبيا بعد كل هذه الإسهامات للمرأة الليبية منذ الخمسينات إلى يومنا هذا؟ والله من وراء القصد.
د. فتحي الفاضلي
طرابلس – 28-09-2019