احتلت ثقافة الأوس والخزرج (قبل طلة سيد ولد آدم)، وثقافة داحس والغبراء، وثقافة البسوس، عقولَنا وقلوبنا ونفوسنا، إلا من رحم ربي. مزّقتنا هذه الثقافة ومنتجاتها من قَبلية وجهوية وعرقية، نتج عنها تفرّق واختلاف وفِتن وتعصّب وخلاف.

قتلتنا هذه الثقافة، لأنّها مرض نتن مدمّر فتّاك، دمّر أمما وشعوبا ودولا ومللا ونحلا عديدةً ومختلفة. دولٌ ومللٌ ونحلٌ كانت أكثرُ عددا وعدة وعتادا وقوة، وأضخم ثروةً، وأوسع أرضا، وأكثر بشراً من وطننا الأم ليبيا.

ليس ذلك فحسب، بل طوّرنا هذا المرضَ الذي سري فينا مسرى الدم، طوّرناه بكفاءة لا مثيل لها، فانتقلنا من القبلية إلى الجهوية إلى العرقية، طبقاتٌ من المرض الفتاك بعضها فوق بعض، وذلك بدلاً من أن ننتقل من القبيلة إلى المدينة إلى الدولة إلى التكتل الدولي، لنلج – بعدها – إلى القرن الذي نعيش فيه. لقد تجمّد الوطن عند القبيلة بل عند القبلية. وهكذا لم نطور أنفسنا إيجابيا، كما يفعل غيرنا من الدول، بل هرولنا إلى الوراء سلبيا.

هذا المرض أنتج عقولاً أحاديّة أنانيّة مغلقة فرديّة، لا ترى أبعد من أصابع قدميها. بل أصبح هذا المرض جزءا من ثقافتنا، ثقافةٌ مدمّرة، أنتجت أنانيّة جماعيّة مفرطة، وما زال ينخر في أساسات أساساتنا، منذ القدم، وحتى يومنا هذا، لقد آذانا هذا الأمرُ، ماضيا وحاضراً، وحتما لن يرحمنا – إذا استمر – مستقبلاً.

بل الأدهى والأمرّ، أنّنا نتوارث، مع هذا المرض، ونتيجة له أيضاً، بقصد أو بغير قصد، نتوارث – جيلا بعد جيل – ثقافة التشفي، وثقافة الانقسام، وثقافة الانتقام. بل ونتوارث كل ذلك، ثم نُورِثُه أجيالنا. فما زلنا – حتى يومنا هذا – نعيش في مضارب بني عبس.

فتحي الفاضلي – طرابلس – 23-10- 2020م.

مشاركة