مجلس النواب الليبي .. ولد مشوها وعاش مفسدا
منذ أيامه الأُوَلِ كان مجلس النواب ولا يزال مفسدا للمشهد السياسي الليبي، فبعد أول انتخابات برلمانية نزيهة تمثلت في انتخاب المؤتمر الوطني العام، بنسبة مشاركة تصل إلى (61)%، جاء انتخاب البرلمان الليبي، على غرار آخر، خيّم عليه فساد وسيناريوهات غامضة، لم تفسر إلى يومنا هذا، ولد مجلس النواب في ظل صراعات ومعارك دائرة، وتشتت في المشهد السياسي الليبي، وخلافات عميقة بين الأحزاب السياسية، ونعرات قبلية ومطالبات بالانفصال، وحراسة من مليشيات تابعة لتيارات سياسية معينة، فكانت النتيجة عزوفا كبيرا عن انتخاب المجلس، حيث قدرت نسبة الإقبال على الانتخابات بـ 18% فقط من الناخبين المسجلين، وفوق هذا لم يتم تمثيل 12 نائباً، إذ لم يتمكن المواطنون من انتخابهم في بعض المناطق الليبية التي تشهد تدهوراً أمنياً.
“ولد مشوها في ظل صراعات ومعارك دائرة، وتشتت في المشهد السياسي الليبي، وخلافات عميقة بين الأحزاب السياسية، ونعرات قبلية ومطالبات بالانفصال”
أول جلسات مجلس النواب المنحل:
عقدت الجلسة الافتتاحية لمجلس النواب الليبي في مدينة طبرق الاثنين 4 أغسطس 2014مـ، وتسلم مهامه فيها من النائب الأول لرئيس المؤتمر الوطني. بمخالفة الإعلان الدستوري، إذ تقرر أن يكون التسليم بمدينة طرابلس، ولكن النواب أصروا أن يكون التسليم بمدينة طبرق.
قرار المحكمة العليا ببطلان المجلس:
وسرعان ما قضت الدائرة الدستورية في المحكمة العليا في السادس من نوفمبر 2014مـ، حكما يقضي “بعدم دستورية الفقرة الحادية عشر من التعديل الدستوري السابع الصادر في مارس 2014 وما ترتب عليه من آثار” فمثل قرار المحكمة “بطلان” تعديل الإعلان الدستوري المؤقت الذي انتخب بموجبه المجلس، ليكون من يومها مجلسا منحلا بحكم المحكمة، وليكون مولودا مشوها وميتا.
“استمر ليستمر في انحطاط مسار الدولة، وليكون معول هدم لبنائها، ولم يفت عليه محفل لزيادة الخروقات في الدولة الليبية إلا وكان رأسا فيه”
رفض مجلس النواب لقرار المحكمة وتبنيه لانقلاب الأسير:
لم ينصع مجلس النواب المنحل لقرار المحكمة العليا، بل استمر ليستمر في انحطاط مسار الدولة، وليكون معول هدم لبنائها، ولم يفت عليه محفل لزيادة الخروقات في الدولة الليبية إلا وكان رأسا فيه، فحين انطلاق ما يسمى عملية الكرامة التي تعد انقلابا على السلطة الشرعية دعمها مجلس النواب وأيدها، وكان واجهة سياسية لها، تغطي حجم الانتهاكات التي ترتكبها، ليصير النواب المنحل عمودا فقريا لانقلاب طالما سعى في الإطاحة بالثورة وأهدافها ومخرجاتها.
الارتهان للخارج:
وسع النواب تحالفاته الإقليمية، على حساب سيادة ليبيا، وارتمى في أحضان مصر والإمارات للبقاء في منصبه، التي بدورها استغلت هذه الفرصة لتمرر مخططاتها، وليكون لها يدا عليا في قرارات الدولة الليبية، فقال خليفة حفتر الذي نصبه النواب قائدا للجيش في لقاء على قناة العربية “أنا مع مصر ولو كانت ضد مصلحة ليبيا” وقال زياد دغيم عضو البرلمان بأنهم مستعدون لتوريد النفط الليبي مجانا لدولة مصر، أما الإمارات فكان لها نصيب على الأرض فأنشأت قاعدة إماراتية على الأراضي الليبية بمنطقة الخروبة، وقصفت من لم تشأ وجوده.
فضائح النواب وهزالية مواقفهم:
وفي مشاهد لم يعتدها الليبيون ولم توافقْ أعرافهم وديانتهم وعاداتهم، خرج من النواب أعضاء يمثلون أنفسهم كسياسيين في برلمان ليبيا، بصور ومقاطع فاضحة، تستحي النفوس من ذكرها، ناهيك عن جلسات النواب التي لا تكاد أن تخلو من العراك وتنقل على الهواء مباشرة، ومن سقطاته أيضا خروج عضو في النواب بإحدى القنوات التلفزيونية ليتوعد عاصمة ليبيا بالمفخخات والتفجيرات والاغتيالات!
“لم يثبت أنهم قدموا مصلحة ليبيا يوما، فمجلسهم ولد مشوها، وكتب تاريخا من الفضائح والسقطات، ولا يزال متسمكا بكراسيه على ركام دولة تجرعت الكثير بسببهم”
رفضهم للاتفاق السياسي تمسك بالسلطة:
دخلت ليبيا في دهاليز عظيمة، كان سببها فساد المنحل، فأعضاؤه عرف عليهم تقديم مصلحتهم الخاصة على مصلحة البلاد العامة، بل لم يثبت أنهم قدموا مصلحة ليبيا يوما، فمجلسهم ولد مشوها، وكتب تاريخا من الفضائح والسقطات، ولا يزال متسمكا بكراسيه على ركام دولة تجرعت الكثير بسببهم، فجاء اتفاق الصخيرات، وبدأ النواب وانقسامهم تجاه هذا الاتفاق، ولكنهم اتفقوا أن يكون موقفهم ضد مصلحة ليبيا، فمن وافق الاتفاق وافق عليه بقدر ما فيه مصلحته، ومن رفضه كان يقدم مصلحة من يفسد ليبيا، عرقلوا الحوار لا لشيء إلا لفرض مجرم الحرب حفتر كممثل وطرف أساسي في الحوار، ولم يتخذوا موقفا حاسما، بل ماطلوا وأطالوا الأزمة، ليستمر مجرم الحرب في إجرامه ولتزيد أزمات ليبيا وتغرق في مأساة لطالما عانى منها المواطنون، فغلت الأسعار وانقطعت الخدمات وانعدم الأمن واختفت السيولة، ووصل سعر العملة الأجنبية إلى أسعار لم يحسب لها الليبيون أيما حسبان، حينها اجتمع أعضاء البرلمان تحت قبة البرلمان ليناقشوا أمر مرتباتهم التي تقدر بالآلاف، وامتيازاتهم وحاجتهم، دون التفات يذكر لما وصل له المواطنون.
إطالة الأزمة بتعطيل مشروع الدستور:
لقد عبث المولود المشوّه وفعل أقصى غايات الإفساد لهدم كل ركن ثابت في الدولة، فمع دستور ليبيا كانوا ولا يزالون يعرقلون ويعبثون لكي لا يولد دستور لليبيا، ويقف المواطن في أشد حيرة وحسرة عندما يرى جلسات النواب التي ينبغي أن يناقشوا فيها الدستور؛ يغلقها عجوز بعكّازه ليصور انحطاط غير معهود على دولة عريقة كليبيا.