لا وجود للإنسان في عالمنا العربي… لذلك لا وجود لحقوق الإنسان.. هكذا تفكر أنظمتنا السامية

يخجل فرعون وهامان والنمرود من حجم الإرهاب الذي تمارسه الأنظمة العربية على آل بني آدم. فأنظمتنا العربية، مدرسة يتعلم فيها رجال الأمن، كيف يتحولون من بشر إلى ضباع تقتات على لحوم البشر.

أنظمتنا العربية السامية، التي يفترض أنها جاءت، لتدك معاقل الظلم، وتحرر الإنسان من كافة القيود، وتحطم الأصنام، وتصنع مجتمع الإنتاج والإبداع، هذه الأنظمة المتخلفة المتخلفة، والشرسة الشرسة، والجاهلة الجاهلة، اتخذت من أجساد المسلمين، مادة لممارسة الإرهاب، حتى أصبح قهر البشر واضطهادهم، واستعبادهم، سرا لوجودها، وأساسا لكيانها، ووقودا لبقائها، ومبررا لاستمرارها.

تفننت أنظمتنا السامية في قتل الأطفال، وشنق الشباب، ودفن الأحياء، وبتر الأطراف، وبقر البطون، وخلع الأظافر، وقلع العيون، بل مثلت بالموتى، وشرحت، فوق ذلك، أجساد البشر، وأصحابها أحياء ينظرون.

وتفننت أنظمتنا في ألفاظ الكفر والفسوق والعصيان، فسخروا بكلمات لا يستسيغ التلفظ بها إلا من تسربت الدناءة إلى جذور جذوره. فسخروا من ماضينا وحاضرنا ومستقبلنا، ثم من تراثنا وواقعنا وطموحاتنا. بل سخروا من ديننا وعاداتنا وتقاليدنا وقيمنا وأعرافنا. ولم ينج “اسم الله”، ولا “كتاب الله”، ولا اسم “رسول الله”، صلى الله عليه وسلم، من سخريتهم وكبرهم واستهزائهم وتسفيههم وتصلفهم وعنجهيتهم ورعونتهم وجاهليتهم التي تواضعت أمامها جاهلية القرون الغابرة والبائدة والحاضرة.

وأصبحت الأقبية، والمعتقلات، والمذابح، والمقاصل، والمجازر، والمشانق، والأخاديد، والمدافن، معالم يتميز بها وطننا المنكوب. وحذفت من معاجمنا مفردات التقدم، والتحرر، والنمو، والبناء، والأمن، والسلام، والعدل، والرخاء، وحلت محلها، مصطلحات السحل، والذبح، والسلخ، والقطع، والقتل، والشنق، والصلب، والحرق، وما شابه ذلك من مترادفات أنظمتنا الحضارية المتمدنة المعاصرة.

وتشرد من الناس من تشرد، وقتلت الأحزان والآلام من قتلت، وهاجر من هاجر، وتيتم من تيتم، وترمل من ترمل، وفقد عقله من فقد، وتشوه من تشوه، ومات غصة وكمدا من مات، وفقد الأهل والأحباب والأصحاب من فقد، وأصيب من أصيب من أبناء المسلمين، في صميم دينه وعرضه وكرامته.

ولم ينته الأمر بما دوَّنه المدونون، أو تحدث به المتحدثون، أو سرده الساردون، أو رواه الناجون، بل تنضم في كل لحظة، في أي بقعة من بقاع الوطن العربي والإسلامي، ضحية جديدة، يتسع بها مستنقع القمع الآسن، والذي غاصت فيه أنظمتنا، حتى أحاطت بها ومن كل جانب، طحالب الغدر والخبث والجهل.

يجري كل ذلك تحت سمع وبصر عالمنا الذي يبكي الإنسان، وحقوق الإنسان، ويشكو الإرهاب والإرهابيين، ويلعن التطرف والمتطرفين، ويستنكر الظلم والظالمين. بل يراقب هذا العالم الظالم، ممارسات أنظمتنا ضد الإسلام والمسلمين، ومنذ أكثر من نصف قرن، بتجاهل ممزوج بالتأييد، وسذاجة ممزوجة بالغدر، وصمت ممزوج بالشماتة، ورفض زائف مفتعل مصطنع، ممزوج بالرضا والدعم والقبول. ليس ذلك فحسب، بل يتساءل هذا العالم الظالم، بغباء غير مصطنع، عن هوية الرحم الذي ولد منه العنف وأهل العنف.

فتحي الفاضلي

كُتبت ونشرت في صيف 1997م، ونشرت أيضا بعنوان “تساؤل” في 13 ديسمبر 2009م.

مشاركة